إن حال المجتمع اليوم غير مرضية البتة، وإن المرأة أصابت من الحرية الشيء الكثير الذي أساءت استعماله، فكان ذلك سبباً إلى ضجر عام وإلى قلق نفسي على المستقبل، ولسنا نصدق أن الناس يهملون أمر هذا المستقبل، ولا يصلحونه، ولسنا نصدق أيضاً أن المرأة لا يأتي عليها ذلك اليوم الذي تشعر فيه أنها فقدت شيئاً عظيماً، لا تتكافأ معه حريتها اليوم، تشعر إذ ذاك أنها فقدت احترام الرجل لها وتقديره إياها وعطفه عليها وشفقته بها، بل حبه الذي كان يفيضه عليها.
هناك تتملكها رعدة وقشعريرة، تأخذ عليها الحياة نفسها، وإذ ذاك تفكر: هل يتقبل عودتها إليه ويضمها إلى صدره، وهل تستطيع العودة إلى حظيرة الاحترام والحب؟!
قد يكون!! فإن الرجل قد فقد أيضاً كل عطفها وحبها، والحب عنده ملجأ يطمئن إليه إذا ما ثارت زوابع الحياة وإعصارها، فيسكن من آلامه، ويخفف من همومه وأحزانه، ولقد يصح أن يقال إن الرجل يريد أن يعيش أبداً طفلاً، تضمه المرأة إلى حضنها وتحنو عليه.
أجل، هناك نفر يقول بأن الحال الحاضرة اليوم، قد أصاب الرجل من ورائها غنماً، فإنه قديماً كان يفكر في المرأة ويبذل جهداً ثقيلاً، ويصرف طوال الليالي ساهراً من أجلها، وأما اليوم فإن هذه الناحية من التفكير قد انتهت، وقد تحول هذا المجهود العظيم إلى ناحية ذات أثر في تكوين الحياة وفي تحسينها.
على أن الظلام قد أخذ يستولي على النفوس، وقد أخذت هذه النفوس تستعيد الماضي وتحن إليه، فإذا صح حقيقة أن هناك جهداً ارتاح منه الرجل، وقد كان ينفقه جزافاً، فإنه كان يحتمله ساكناً مطمئناً مرتاحاً إليه، وقد كان أن الرجل افتقد الحياة بعد أن خلع عن نفسه نير هذا الجهد، فألقاها مثقلة بالمتاعب.
ومن أجل هذا ،ومن أجل ذلك الذي أصاب المجتمع، لا بد من صدمة لهذه الحال، تتهدم بها كل البناءات التي أقامتها الحرية غير المنضبطة في هذا العصر.