- نســــمع كثيراً من اللغط واللغط المضاد عن ظاهرة (الخروج عن النص) مسرحياً، بين حامدٍ لها ومتسامحٍ عنها أو كارهٍ:
- الحامدون للظاهرة من نقّاد المسرح يرون أن لها جوانبَ سويةً لا تضيرُ ولا تضرّ، بل قد تكون ضرورةً للنص المسرحي حين يكونُ ما يُقال أبلغَ تعبيراً وأثْرَى إبداعاً، شريطةَ أن يكون القائلُ متمكَّناً من الاثنيْن: تعبيراً وإبداعاً، فلا يكاد يظهر للمتلقّي أنّ هناك خرُوجاً على النص أصلاً!
- وهناك من النقّاد المتسَامحُ للخارج عن النصّ أو المعتذرُ له متى ما التزم فاعلُه بمهمة الإيحاء الذكيّ لعقل المشاهد ووجدانه، تلميحاً لا تصريحاً، ونأى بفعله، لفظاً ومضموناً، عن لغْوِ الكلام!
- وهناك فريقٌ ثالث يرى في ظاهرة الخروج عن النص عَبثَاً لا خيرَ فيه، وأنّ الضررَ فيه أبلغُ من الضرورة، ويسْخروُن من فاعله قائلين: إذا كان لا محالةَ عن الخروج عن النصّ، فما قيمةُ النصَّ نفسه؟! ولماذا يتحوَّل الفعل المسرحي أحياناً إلى ملحمةٍ سخيفةٍ تسيّرها شهوةُ الكلام غير المباح لا موضوعيةُ العقل وإبداعية الهدف.
- إنّني لستُ (مسرحياً) ولا ناقداً له أو منظَّراً، لكنَّ ظاهرة الخروج عن النصّ في المسرح (وفي التمثيل بوجه عام) فتَحتْ لي باباً واسعاً من التأمل فلسفياً محاولاً (استنباطَ) مدْلولِ الظاهرة وتطبيقَه على مسرح الحياة والأحياء، فكانت النتيجة ما يلي:
1) مسرحياً، يعتمدُ (الخروجُ عن النص) على فاعله، فإن كان عاقلاً ومبدعاً وذا ثقافة وخُلقٍ أصيليْن، فلا ضَرَرَ منه ولا خوف، وإن كان غير ذلك، فعورةٌ فـي النطق، وإسفافٌ في المعنى!
2) لكن ما يهمني في هذا السياق أكثر من أيّ شيء سواه هو أنّ الخروج عن (نصَّ) العقد الاجتماعي والشرعي والأخلاقي هو أخْطرُ بمراحلَ من خروج ممثل على مسرح!
- كيف؟
- البعضُ منا يخالف سراً وجَهْراً بنودَ (العقد) الديني والأخلاقي والحضاري والمهني الذي تستند إليه منظومة علاقاتنا وسلوكياتنا الإنسانية، بدءاً بعُقُوقِ الوالدِين أو أحدِهما، مروراً بتجاوز إشارة المرُور.. وانتهاءً بممارسة (الغش) الظاهر أو المستتر في التّعامل مع الربَّ والعباد!
- إذاً، فإن خروج فنانٍ ما عن النصّ هو تجسيد مرير للظاهرة على (المسرح) الكبير للحياة! ونحن، سكاّنَ هذه المعمورة، مطالبوُن باحترام (النّصوص) التي تقنّن حياتَنا.. قبل أن نطالبَ الفنّانَ باحترام النصَّ المكتوب له.
- وأزعمُ في الختام.. أنَّ الفنانَ الذي يخالفُ النصَّ، تصريحاً أو تلميحاً، ليس أكثر أذىً، ولا أعظمَ فتنةً.. مِمَّنْ يخرجُ عن النص المقنَّن لأَدبِ الحياة.. وكَرامةِ الأحياء!!