الدمام - ظافر الدوسري
أوضح الداعية الأستاذ عبدالله الشهري أن هناك أمارات ربما تكون مؤشرات على قرب رجل الدين من الوقوع في الإلحاد ومنها الغلو في التصوف, وأن العالم الغزالي قاب قوسين أو أدنى من الزندقة، وأكد أن فئة الشباب والفتيات -لا سيما في هذا العصر- هم أكثر عرضة للوقوع في الإلحاد، لا سيما تلك الفئات التي تأثرت بالموروث الغربي, محذراً من اتجاه عام نحو اللادينية والإلحاد لدى فئات من الشباب والفتيات، وإليكم الحوار الذي أجرته الجزيرة.. فالي نص الحوار:
في نظركم ما هي الأسباب التي أدت إلى الانحراف عن دائرة الإسلام؟
- إذا كنت تقصد الأسباب الجزئية فهي كثيرة جداً وتختلف باختلاف التكوين النفسي والخبرات السابقة للإنسان لأن الإلحاد في حقيقته موقف نفسي، مثله مثل الإيمان بالخالق، وأقصد بهذا أن هناك أسباباً نفسية أو شخصية كثيرة تجعل الناس يؤمنون بوجود الله تعالى وأيضاً هناك أسباب نفسية وشخصية كثيرة تجعل الناس يميلون للإلحاد.
لذلك ينبغي أن ينصب الاهتمام على الاتجاهات الكلية التي تجعل الإنسان يميل للكفر والزندقة ويبتعد عن عالم الإيمان. وهذا يتطلب فهم لأمرين الأول هو: مسيرة الإلحاد عبر التاريخ لأن الإلحاد له أئمة وقادة وعلماء ومنظرين -وإن كنّا نخالفهم جملة وتفصيلاً- مثلما أن للإيمان قادته وأئمته، وهذه قضية قرآنية حيث يقول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} (24) سورة السجدة. وقال عن أئمة الضلال فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ (12) سورة التوبة.
والأمر الثاني هو تفهّم التفاعلات الاجتماعية والثقافية المعاصرة التي أدّت إلى ظهور بعض الفئات الإلحادية في العالمين الإسلامي والعربي، وهذا بشكل عام يمكن اختصاره في محورين أساسيين: هيمنة الثقافة الغربية اللادينية الإنسانية التي تجعل الإنسان مكان الإله وتدّعي أن العلم الطبيعي هو الحل الوحيد لمشاكل بني آدم والمحور الثاني هو وجود دواعي تقبّل هذه الثقافة ممثلة في ضحالة الفكر العقائدي وضعف الشخصية الفردية عند كثير من الشباب المسلم اليوم.
عندما تنتشر أفكار أشخاص ملاحدة من أمثال ريتشارد دوكنز وسام هارس ودانييل دينيت بين مجموعة من الناس وفي المقابل لا تتقبلها مجموعة أخرى فهذا يدُل على اختلاف نفسيات المستقبلين وقد كتب في هذا علماء كبار في الإسلام وغير الإسلام مثل ابن القيّم الجوزية ووليم جيمز وغيرهم.
هل هناك علامات لتحول رجل دين إلى ملحد بأنه ملحد في الأصل ولم يكشف عنه إلا متأخراً أم ماذا؟
هذا نادر جدّاً في التاريخ الإسلامي فهذا الغزالي كان قاب قوسين أو أدنى من الزندقة وهذا عبدالله القصيمي الذي كان عالماً سلفياً يشار إليه بالبنان كانت نهايته مأسوية.
أما في الغرب بشكل خاص والثقافات غير الإسلامية بشكل عام فهذا متصور جداً وتقع عشرات الحالات.
ومع ذلك استطيع أن أقول إن هناك أمارات ربما تكون مؤشرات على قرب رجل الدين من الوقوع في الإلحاد ومنها الغلو في التصوف وهو عادة ما يؤدي إلى عقيد الحلول والإتحاد ومن ثم إنكار وجود الله الموصوف في القرآن ومنها الاعتصام بالليبرالية والإيمان بها وكذلك قرينتها العلمانية والدعوة إليها كل هذه تشكّل العتبة الأولى في بوابة الإلحاد، ومن الشخصيات المعروفة في هذا الشأن جان بول سارتر وبرتراند رسل وغيرهم.
المهم أن الذي يفتح صدره لفلسفات الغرب دون نقد وتفكّر هو مرشح بشكل كبير للوقوع في الإلحاد أو اللادينية.
أي الفئات لديها فكر الحادي أو نية للتحول هل من فئة المفكرين أو العلماء أم الشباب أم الفتيات؟
- باختصار هي تلك الفئات التي تنفتح بشكل ساذج على كل ما يمكن أن يؤدي للإلحاد.
ففئة العلماء لا أقول معصومة ولكنها الأكثر حصانة لأن قضايا العقيدة والبراهين الشرعية و العقلية الكلامية واضحة في أذهانهم أكثر من غيرهم.
أما من يُسمّون بالمفكرين فكثير منهم جهلة بهذا الجانب ولكنهم لديهم استعداد شبه كامل للانفتاح على كل فكرة وافدة وهذه مشكلة كبيرة اليوم لأن هؤلاء يحسبهم العوام علماء وهم في الحقيقة عبارة عن كائنات تنقل المعرفة ولا تصنعها.
أما فئة الشباب والفتيات -لا سيما في هذا العصر- فهم أكثر عرضة للوقوع في الإلحاد، لا سيما تلك الفئات التي تأثرت بالموروث الغربي وقد اتصل بي شاب عربي من دولة خليجية وأخبرني أنه يريد المساعدة لأنه على حد تعبيره أصبح لا دينياً بسبب نقاشه مع بورفيسور ملحد شهير في الجامعات الغربية.
ما مدى خطو رة الإنترنت والمنتديات في نشر الفكر الإلحادي ورفض الإلوهية؟ وهل هي في زيادة؟ وكيف يمكن التحكم فيها؟
- لا شك أنها مصدر شر كثير كما أنها مصدر خير وفير، والحل كما قلت وأقول دائماً هو التغيير في الجذور والسياسيات فنظام التعليم لدينا وأنماط التفكير في مجتمعنا تحتاج إلى تطوير كبير، وأذكر هنا أن علي عزت بيجوفيتش قال: إن كان هناك من خصلة غائبة عن العالم الإسلامي اليوم فهي خصلة التفكير النقدي، وهذا صحيح والمقصود بالتفكير النقدي هو ذلك النوع من التفكير الذي يجعل الإنسان قادراً على إيجاد المبررات الشرعية والعقلية لمنظومته الإعتقادية ورؤيته للحياة.
نحن جميعاً في حاجة ماسة لهذا النوع من التفكير
كيف ترون معارض الكتاب ودورها؟ وألا ترون أن هناك ضعفاً رقابياً على هذا النوع من المعارض في كتبه وندواته؟
- ما يقال في الإعلام يقال في معارض الكتاب والأهم أن توجد الرقابة الذاتية النقدية عند المتلقي المسلم قبل أن توجد في معارض الكتاب على شكل مصادرة وصدامات، وإن كنت أرى أن غياب أو ضعف الرقابة الأولى يستدعي اللجوء للرقابة الثانية.. أما أن تترك كتب الإلحاد والزندقة تسرح وتمرح في المعارض مع غياب الرقابتين فهذا ضلال وسخافة.
في الإسلام هذا التصرف هو من السياسة الشرعية التي تضبط إيقاع الحياة إطار إسلامي، وإن الله لينزع بالسلطان مالا ينزع بالقرآن.
ما هي التنبؤات للفترة القادمة وكيف يمكن التصدي لها؟
- التعليم ثم التعليم ثم التعليم بكافة صوره وعلى كافة المستويات يجب أن يؤسس على قواعد تنمي التفكير النقدي الموضوعي والاجتهاد الفردي المعتدل المؤسس على الأدلة.
هذا ليس رأيي الشخصي فحسب، هذا قاعدة ربانية قرآنية قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ، أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ، ولكن إهمال هذا الجانب وتضخيم التلقين والتبعية على حساب التفكير والهوية هو من أكبر أسباب ضعف البنيان الفكري لأجيال اليوم.
هل من إحصائيات وأرقام تبين مؤشرات الوضع في هذا المجال؟
- للأسف لا يوجد مراكز بحث أو حتى جهات غير رسمية لرصد هذه الظاهرة كمّاً ونوعاً.
بلادنا في حاجة ماسة لهذا لأن القرارات والسياسات لكي تكون ذات جدوى لا بد أن تُبنى على معطيات معينة من الواقع.
ولكن من خلال احتكاكي المستمر بالشباب ومن خلال المحاضرات الندوات والمناظرات التي أقيمت داخل وخارج المملكة استطيع أن أقول أن هناك اتجاه عام نحو اللادينية والإلحاد لدى فئات من الشباب والفتيات، وهو مرشح للاتساع إن جلسنا نشاهد ما يحدث دون حراك. سمعت أن لديكم كتاب في الرد على الملاحدة واللادينين فهلا أخبرتنا بشيء عنه؟ نعم هو كتاب طبع ونشر قبل أكثر من سنة بعنوان (المخرج الوحيد: دليل الباحثين عن الحق) وهو يوزع في أوروبا والهند وداخل العلم العربي الإسلامي والكتاب في الحقيقة ليس كله في مواجهة الإلحاد ولكن هناك فصول معينة تصدّت لهذا الجانب لا سيما نقد نظرية التطور والرؤية الإلحادية وكتابات ملاحدة مشهورين أمثال ريتشارد دوكنز وسام هاريس أما الفصول الأخرى فهي عن الإسلام كنظام فكري عقائدي تشريعي أخلاقي، والكتاب باللغة الإنجليزية طبعاً وهناك ترتيبات الآن لإصدار الطبعة الثانية بحول الله تعالى.
ماذا تود أن تقول في ختام هذا الحوار؟
- أشكركم على إتاحة هذه الفرصة للحديث عن موضوع مهم كهذا وإني لأرجو أن يحظ بالاهتمام الكافي من قبل رجالات الفكر وأصحاب القرار في هذه البلاد وانتهاج سياسة حكيمة لمواجهة هذه الموجة الإلحادية اللادينية بالمنهجيات والأدوات المناسبة.
الكاتب «عبدالله الشهري»
في سطور:
داعية ومفكر إسلامي لديه العديد من الكتب والمقالات والأبحاث حصل على بكالوريوس علم اللغة التطبيقي من جامعة الملك سعود وماجستير اللغة التطبيقي تخصص علم اللغة النفسي من جامعة نوتنغهام ويحمل بكالوريوس الشريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود وهو الآن طالب دكتوراه في جامعة ليستر.