|
* ديفيد س. ماكسويل
سئلت مؤخراً إذا كان الكوريون الشماليون يمكن أن يشنوا حربا باستخدام أسلحتهم النووية ضد الشطر الجنوبي وإذا ما كان مثل ذلك الإجراء يمكن أن يؤدي إلى نهاية النظام؟ وسؤال آخر يتعلق بالمعاناة المروعة للشماليين وتساؤل الكثيرين عن أسباب عدم ثورة الكوريين الشماليين ضد نظامهم القمعي؟
نظام عائلة كيم، هو عقلاني جدًا بمعنى أنه يعلم ما يريده ويعمل بمجهود مضن من أجل تحقيقه، لذا فإن استراتيجية عمل النظام يمكن أن يتم تفكيكها إلى التالي:
- مصالح حيوية للدولة: بقاء نظام عائلة كيم (ليس الدولة القومية ولكن النظام).
- هدف استراتيجي: إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية تحت سيطرة كوريا الشمالية (وهي الوسيلة الوحيدة لضمان البقاء طويل الأمد لنظام عائلة كيم لأن أي شيء آخر يعني أنه لن يبقى).
- الظروف المهمة المهيأة للوصول إلى هدفها الاستراتيجي: إخراج القوات الأمريكية من شبه الجزيرة.
- هدف سياسي عالمي: أن يتم الاعتراف بها كقوة نووية.
ولكن لماذا تريد كوريا الشمالية أسلحة نووية؟
أولاً وقبل كل شيء هي تعتقد أنها بحاجة إلى برنامجها النووي كرادع ضروري. يجب أن نفهم أن الدروس التي تعلمها النظام من العراق وليبيا هي أن سقوطهما كان نتيجة أنهما لم يتمكنا من تطوير أسلحة نووية.
ثانيًا، البرنامج النووي ثبت أنه أداة استراتيجية مهمة للغاية في أدواتها الدبلوماسية وقد أدت إلى حصولها على تنازلات سياسية واقتصادية في السنوات الماضية وسوف تستغل تلك الأداة طالما بقي النظام موجودًا.
ثالثًا، من وجهة نظري، أن النظام ليس انتحاريًا على الإطلاق وأن كل شيء يفعله وسوف يفعله يركز على حماية مصالحه القومية العليا.
رابعًا، أن الردع أثبت كفاءته ضد كوريا الشمالية، فالتحقيقات مع هوانج جونج يوب السياسي البارز في كوريا الشمالية الذي انشق إلى كوريا الجنوبية تفيد بأن الشماليين لم يبدأوا مطلقًا بإطلاق أي هجوم على الجنوبيين لأنهم يعلمون أنهم لن يستطيعوا أن ينتصروا في حرب نووية مع الولايات المتحدة كما أنهم يؤمنون أن الولايات المتحدة سوف تستخدم الأسلحة النووية ضدهم.
وأخيرًا، أعتقد أن اختبارًا لتحركات نظام كوريا الشمالية في الستين عامًا الماضية يظهر لنا أنها كانت عقلانية جدًا وتسير على كتابها الخاص بها لحماية مصالحها القومية العليا بناء على فهمها للموقف الأمني لشبه الجزيرة وللنظام الدولي، فقد كانت تركز بصورة فردية على مصالحها القومية العليا في الوصول إلى أهدافها الاستراتيجية إلى جانب استخدام الاستفزازات للحصول على تنازلات سياسية واقتصادية.
بالطبع على الجانب الآخر هناك الكثير من الأسباب العديدة للحكم على كوريا الشمالية بأنها غير عقلانية: فهل من العقلانية أن تظن أنها تستطيع أن تفوز في حرب على كوريا الجنوبية، فضلاً عن تحالف من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة؟ هل من العقلانية أن تستخدم الاستفزازات إلى حد بيع أو استخدام قدراتها في الأسلحة النووية؟ هل من العقلانية أن تقوم بتجويع ما يقرب من 23 مليون نسمة من أجل أن يستمر النظام؟ فمن وجهة نظر نظام حكم عائلة كيم، فهي تتصرف بعقلانية كبرى، وإذا ما نظرنا للأمور عن كثب، يجب علينا أن نراها قد تصرفت بطريقة متوقعة للغاية أيضاً في السنوات الستين الماضية.
لكن لماذا لا يثور الشعب الكوري الشمالي ضد عائلة كيم؟
الإجابة في الواقع تتكون من ثلاثة أسباب، أولاً هناك نظام عقدي في البلاد أسوأ بكثير من ذلك الذي كان لدى اليابانيين قبل الحرب العالمية الثانية يسمى «جوشي»، بعضهم كان يسميه عقيدة «كيم إل سونج»، أو كما سماه مؤسس عقيدة «جوشي» نفسه «عزيزي القائد المطلق». فعقيدة الجوشي تتعلق بممارسات عائلة كيم نفسها، متخذة أبعاداً دينية، فكيم إل سونج اتخذ مكانة شديدة القداسة» لدى الكوريين الشماليين عندما مات، فجثمانه لا يزال معروضًا ولا يزال قائد كوريا الشمالي للأبد (ولهذا السبب فإن النظام يعمل بجد لربط كيم جونج أون بالمظهر النبيل لكيم إل سونج في زيه وفي شكله وفي تكلفه)، فمنذ عام 1993 فإن أيدلوجية الجوشي ظلت تعلم الشعب أن موت الشخص من أجل بلاده يعني أنه سيكتب له الخلود.
وثانيًا أن كيم إل سونج أنشأ نظامًا أمنيًا ورقابيًا يجعل جوزيف ستالين نفسه يحمر وجهه خجلاً! فمن «قاعدة الثلاثة» (أي شخص يثبت أنه غير موال للنظام سواء بالقول أو بالفعل سيمحى أثره هو وأبناؤه حتى الجيل الثالث! إذا كان محظوظًا فسيذهب هو وأجياله الثلاثة فقط إلى المعتقل، أما الخيار الأسوأ فهو أن يتم إعدامه هو وأجياله الثلاثة) إضافة إلى إنشاء نظام ولاء شخصي ـ أي أن يتم ترقيتك أو تقدمك في عملك أو ببساطة أن يسمح لك بأن تعيش، وذلك عن طريق إظهار الولاء الشخصي للنظام، فإجمالاً هناك نظام رقابي شامل يركز بصورة أساسية على حماية النظام من الثورة.
* * *
* المدير المساعد لمركز دراسات السلام والأمن بجامعة جورجتاون عن مجلة « فورين بوليسي ريسيرش انستيتيوت» الأمريكية