بعد سلسلة مقالاتي عن الثورات العربية، سألني كثيرون عما إذا كان ما كتبته ينم عن قناعة تامة، وأصروا على منح هذه الثورات فرصة كافية يتم من خلالها الحكم لها أو عليها، واستشهدوا على ذلك بالثورة الفرنسية، والتي لم تؤت ثمارها إلا بعد سنين طويلة، ومع ذلك فلا زلت عند رأيي، رغم قناعتي المطلقة بالأوضاع المزرية والفساد والسوء الذي كانت عليه حكومات بلاد الثورات العربية، وتفهمي لأسباب ثورة شعوبها، والتي عانت الأمرين من الظلم والفساد على مدى عقود، ولكن مهلا، فالحكاية أكثر تعقيدا مما نظن.
من المسلم به أنه لا بد لأي ثورة حقيقية من قيادة بأجندة إصلاحية، حيث ما أن تنتهي الثورة إلا وتبدأ مسيرة جديدة مغايرة للمسيرة القديمة، فهل هذا ما حصل؟. كل الثورات العربية بدأت شعبية بلا قيادات حقيقية، ولو نظرنا إلى مصر لوجدنا أن من قام بالثورة هم شباب الفيس بوك، ولكن ما أن انتهى الأمر في ضحى الغد، حتى تسلم زمام الأمور من لم يظهروا بالصورة مطلقا أثناء الثورة، ونعني هنا الإخوان والسلفيين، الذين جاؤوا من اللامكان ليتزعموا المشهد، مخلفين وراءهم الثوار الحقيقيين، الذين يندبون حظهم حتى اليوم، وهنا لا يمكن أن نغفل عن المجموعة الأجنبية، التي اعتقلت ثم أطلق سراحها!، ثم اتضح أن من أطلق سراحها هم من تسنم زمام السلطة!، وكل هذا يهون عند التصرفات اللاعقلانية لمن يفترض أنهم يمثلون الشعب، كصاحب عملية تجميل الأنف، وما أشيع عن علاقته براقصة!، وغير هذا مما يدخل في المحظور.
حسنا، هل تذكرون عندما دخل ثوار ليبيا إلى طرابلس ؟، فالمشهد كان غريبا، إذ بدأ بظهور السيد عبدالحكيم بلحاج مرتديا بزته العسكرية على وقع دوي قصف طائرات الناتو، وهو مشهد ذكرنا بظهور سيء الذكر أحمد الجلبي في بغداد بعد احتلالها، وانتهى بثوار مصراته وبنغازي يحتفلون في ساحات طرابلس!، فأين كان أهلها ؟،ولماذا لم يشاركوا في احتفالات السقوط ؟، وقد قال لي صديق ليبي إن كثيرا من أهل طرابلس كانوا ينظرون إلى الثوار الغرباء المحتفلين في تلك الليلة، ويرددون «من أنتم»، على غرار جملة العقيد الشهيرة، ثم يتحدث صاحبي عن تلك الأحداث التي لم يتوقف عندها أحد طويلا، مثل اعتقال ابن القذافي محمد، ثم هروبه، وما تلا ذلك من أحداث يمكن وصفها بالكوميدية السوداء.
وختاما، سأزعم أننا -معشر العرب- كنا ضحية للمرة الألف في تاريخنا، فمن دعم الانقلابات، وجاء بالعسكر فيما مضى، هو ذاته من يدعم الحكام الجدد في بلاد الثورات حاليا، والخلل ينبع دوما من ذواتنا التي لم تتحضر بعد.
فاصلة: «الثورة الحقيقة تكون من الشعب ولأجل الشعب».
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2