لنطلق العنان لخيالنا ونتصور أن هناك حقلاً جميلاً يكسوه بساط أخضر ويحيط به غابة جميلة من شجر الصنوبر والسنديان والبلوط وغيرها من الأشجار الحرجية، وبالطبع يعيش فيه عدد من الحيوانات والطيور التي قررت أن تلتحق بالمدرسة لتستطيع محاكاة الإنسان في الذكاء، وقد انتسب للمدرسة بطة وسمكة ونسر وبومة وسنجاب وأرنب، وبعد استشارة الحيوانات الأكبر توصلت إلى الاعتقاد أنه بالإمكان أن يُصنع حيوانٌ يستطيع أن: يركض، يسبح، يتسلق الشجر، يقفز، يطير.
وكان الأرنب أول من وصل إلى المدرسة وظهر جميلاً، وخاصة أنه قد مشط شعر أذنيه وبدأ يقفز برشاقة فسطع نجمه بعد أن ركض قفزاً إلى أعلى التلة وعاد مسرعاً بشكل ملفت، وقد كان سعيداً للغاية، وقال لنفسه: كم هي جميلة هذه المدرسة! أستطيع أن أعمل ما أريد أن أعمل بامتياز.
وقد علّق الأستاذ وقال للأرنب: أنت تتمتع بموهبة عظيمة بالركض، وقد أعجب بقدميه الخلفيتين وأخبره أنه يمكنه أن يكون أكثر إبداعاً بعد التدريب، وعندها أجاب الأرنب إني أحب المدرسة؛ لأنها المكان الذي أستطيع أن أعمل فيه ما أحب أن أعمله.
انتهت الحصة الأولى وجاءت الحصة الثانية، وكانت في السباحة وبمجرد أن شم الأرنب رائحة الكلور قال لأستاذه بأنه لا يحب السباحة فوافقه الأستاذ وأخبره أنه سيكون مصيباً في رأيه حول السباحة.
وفي الدرس الثالث أخفق الأرنب في تسلق جذع شجرة، رغم أن الجذع كان بزاوية 30 درجة لمساعدة الحيوانات في تسلق الشجرة، وأما في درس القفز فقد كان رائعاً في قفزه بينما نجده يواجه مشكلة في الطيران وبعد فحصه أخبره الأستاذ أنه بحاجة إلى علاج طيراني، وبالفعل فقد بدأ الدرس الطيراني وأخبره الأستاذ أنه يتوجب عليه أن يقفز من فوق صخرة إلى الماء، فقال له الأرنب إنه استشار أهله وقالوا له إنهم لم يتعلموا السباحة لأنهم لا يحبون البلل وطلب منه إيقاف درس السباحة.
فقال له الأستاذ: عليك أن تقفز وإلا فإنك سترسب فقفز وبدأ يغطس في الماء ثم يرتفع وعندها علم الأستاذ أنه على وشك الغرق فسحبه إلى خارج الماء، وكان منظره مضحكاً جداً بعد أن ابتل بالماء وظهر وكأنه جرذ دون ذنب، فضحك الحضور على الأرنب الذي أحس بالإهانة وقرر أن يوقف اليأس والانتهاء من درس السباحة، وسيخبر ذلك لأهله وهم سيتفهمون موقفه.
ذهب إلى البيت، وقال لأهله إنه لا يحب المدرسة وأنه يريد أن يكون حراً، فقال له أهله بأنه إذا كان يريد أن يتبوأ مركزاً مرموقاً عليه أن يحصل على دبلوم، فقال لهم إنه لا يريد دبلوماً، فأخبروه بأنه عليه أن يحصل على دبلوم ثم أعطوه فرصة للنوم.
وفي صباح اليوم التالي ذهب إلى المدرسة وكانت قفزاته بطيئة، وتذكر أن المدير قال له إنه إذا كان لديه مشكلة يمكنه أن يذهب إليه فتوجه إليه وأخبره أنه لا يحب المدرسة، فقال له: إنك لا تحب المدرسة لأنك لا تحب السباحة، وإنما تحب الركض وتجيده، وأنت بحاجة إلى أن تعمل على تعلم السباحة، وأخبره بأنه لن يحضر دروس الركض، وبدلاً من ذلك سيأخذ درسين في السباحة فازدادت كآبته وقفز خارج مكتب المدير. وفي طريقه قابل البوم العجوز الحكيم الذي أخبره أن الحياة ليست كما يراها، وأن هناك مدارس تعطي الفرصة للناس بأن يجعلوا تركيزهم على ما هم موهوبون فيه، وعندها شعر بالارتياح، وقال: عندما أتخرج سأبدأ بعملٍ يكون هدفه أن لا تفعل الأرانب أي شيء سوى الركض.
دع السناجب تتسلق الأشجار والسمك يسبح والطيور تطير وعندها فقط تكون الحياة جميلة.
اختفى الأرنب راكضاً في الحقل، وهذا درس للإنسان بأن لا يقوم بالتقليد، بل عليه أن يعرف قدرته وإمكانياته وأن يكتشف ما هيأه الله إليه؛ لأنه إذا اختار كل إنسان ما يتوافق مع قدراته لا بد له من أن يبدع، وبالعكس إذا قام بالتقليد فإنه يصبح مثل الغراب الذي نسي مشيته عندما أراد التقليد.