عند مداخل عديد من الأسواق التجارية الكبرى في العاصمة, تجدهم يجلسون في زاوية عند المداخل، غير متاحة للاحتكاك بالوافدين للأسواق، غير أنهم يظهرون بعفافهم، وعصاميتهم، وجدِّيتهم يبيعون ما قلّ ثمنه، وعمت الحاجة إليه،... في مقابل أن يسدوا حاجاتهم الخاصة, ولا يمدّون أيديهم لأحد..
فهم لا ينتظرون من يعولهم، ولا يتقاعسون عن السعي لرزقهم، تراهم مبتسمين لقضاء الله فيهم، راضين بأدوارهم، طامحين في ممارسة الحياة بكامل ما يجعلهم فيها يندمجون معها, مع غيرهم، في تقلُّبات طقوسها ومناخها، واختلاف مساراتها، ومتطلّباتها، فهم قد تأهّلوا لها نفسياً, وذهنياً، بل حركياً هم مستعدون للانخراط في شؤونها..
تجدهم على كراسيهم، بعكازاتهم، بحركتهم البطيئة، بكل ما زيّنهم الله تعالى به من القناعة، والرضاء..
وقبلاً كانوا يندرجون في تلقِّي المعارف، والخبرات, والتدرُّب على ممارسة الحياة بطبيعتها، في المؤسسات الخاصة بهم، التي تنتشر في البلاد بجهود الواعين، ممن يخططون لهم، ويفكرون فيهم، ويؤمنون بكامل أهليتهم للعيش فيها بشكل اعتيادي, مع قدراتهم، وحاجاتهم، وخصائصهم..
هؤلاء هم الفئات الخاصة من الشباب الذين قدّر الله لهم أن يكونوا ممن أعيق في تكوينه الأول، أو ممن أعيق بحادث طرأ فيما بعد..
على اختلاف أنواع ومستويات الإعاقة التي تمكنهم من العمل، وتتيح لهم أن يكونوا في مشهد البيع، والشراء وتبادل المنفعة، والسعي للمصلحة..
هؤلاء يستحقون بعصاميّتهم أن يوقروا، أن يشاد بهم، أن يتوّجوا بأوسمة النموذجية والقدوة.. أن تشعّ بهم الصدور، وتفرح لهم القلوب.., وأن يكونوا موضع تقدير لكل المارِّين بهم.. ليقفوا يحيونهم بالشراء منهم.. فهم لا يقبلون ريالاً إضافياً لقيمة السلعة التي يبيعونها..
بينما كثيرون في أعمارهم ينامون، ويتسكّعون، ويرفلون في النعم، ويتسابقون بالعربات، وفي مظاهر الرفاه, والتدليل.., ينتظرون الأب والأم أن يقدموا لهم المال، والغذاء, والكساء، وما زاد للرفاه..!! على اختلاف مصادرها، وقدرات أهلهم.., غير مسؤولين، ولا قادرين على الكفاح، والانخراط في سلك الحياة بموجبات العيش العفيف فيها، والاعتماد على النفس، عند مواجهة المواقف..
بينما هؤلاء العصاميون يفعلون.. ويفعلون ما لا يفعل السليمون من إعاقاتهم..
أتمنى أن يلتفت لهم أصحاب الأسواق الكبرى, والصغرى، وأمانات المدن، لتخصيص مرافق لهم في الأسواق مجانية بلا مقابل إلاّ التقدير.., ليمارسوا فيها بيع بضاعاتهم الزهيدة، كالحلوى، والمناديل، والمعلّبات الباردة فلربما تتسع طموحاتهم وتفتح لهم أبواب أوسع لرزقهم..
إنهم عصاميون.. تنقصهم بعض الإمكانات الجسدية، لكن لا تنقصهم النفوس الكبيرة، والهمم القوية, والعفاف الذاتي.. حيُّوهم فإننا بهم مفاخرون..