لازال بعض الدول العربية يتعامل مع الاستثمار الأجنبي بعقلية الخمسينيات والستينيات ذات الحساسية السياسية المفرطة مضافاً إليها الكثير من الفساد المالي الذي يتخذ في بعض الأحيان من «الوطنية والاستقلال السياسي والاقتصادي» مطيَّة للحصول على منافع شخصية للمتنفذين السياسيين والإداريين.
وقد استغربتُ مما ورد في الخبر المنشور في جريدة «الشرق» يوم السبت الماضي الموافق 31 مارس 2012 على لسان رئيس اللجنة الوطنية الزراعية الذي تحدث عن مضايقات يتعرض لها المستثمرون السعوديون الأفراد في السودان لدرجة أن حكام الولايات يفرضون رسوماً إضافية غير نظامية..!
وإذا كانت المعلومات الواردة في الخبر دقيقة فهي مقلقة لأنها - ببساطة - تدل على أننا في عالمنا العربي لم نستفد من تجارب وخيبات الماضي في مجال من أهم المجالات وهو الاقتصاد. فالمصالح الاقتصادية نجحت في توحيد ألد الخصوم في العالم وإزالة كل المعوقات التي كانت تمنع مواطني الدول المتخاصمة من الانتفاع مما تحققه انسيابية التعاملات الاقتصادية من مصالح لجميع المتعاملين.
وأنت حين تقرأ ما يكتبه بعض إخواننا العرب في صحافتهم وإعلامهم من هجوم على رأس المال الخليجي الذي «يهرب» إلى الغرب ولا يفيد الدول العربية المحتاجة لهذه الرساميل تتصور أن الدول العربية قد وفرت كل وسائل الجذب لإغراء المستثمر الخليجي لاستثمار أمواله في هذه الدول.
إن من حق الدول التي تستقبل الاستثمار الأجنبي أن تضع شروطاً للسماح لهذا الاستثمار بممارسة العمل الاقتصادي فيها، وفي مقدمة هذه الشروط توظيف مواطنيها، لكنها يجب أن تتذكر دائماً أن المستثمر الأجنبي سواء كان عربياً أم غير عربي لن يستثمر أمواله ما لم تكن هناك أرباح من العملية الاستثمارية، بل إنه يوجه استثماراته من حيث المكان ومن حيث نوع النشاط الاقتصادي الذي يستثمر فيه وفقاً لمعدل الربحية.. فإذا انتفت الربحية أو كانت مستوياتها متدنية فسوف يبحث عن مكان آخر أو نشاط آخر.. فكيف إذا كانت رؤوس الأموال من أساسها معرضة للضياع أو المصادرة أو حتى المضايقات الإدارية التي يتم افتعالها خارج إطار الأنظمة المكتوبة والتي هي خروجٌ على الشروط المتفق عليها!؟
يجب أن يتذكر إخواننا العرب الذين يتحدثون عن عزوف رؤوس الأموال الخليجية عن الاستثمار في البلدان العربية أن الاقتصاد حتى وإن ترك في بعض الأحيان والمواقف مساحة للعاطفة إلا أنه في الأساس لا علاقة كبيرة له بالعاطفة. الاقتصاد هو ممارسة تعتمد في المقام الأول على حسابات رقمية وعلى بيئة سليمة ومشجعة للممارسة الاقتصادية.. وحتى هذه البيئة يتم تحويلها إلى أرقام تقيس درجة المخاطرة وتدخل المعادلة الربحية كمتغير أساسي في اتخاذ قرار الاستثمار أو عدم الاستثمار.
أتمنى أن تكون الحالات التي تحدَّث عنها رئيس اللجنة الوطنية الزراعية حالات معزولة استثنائية.. فالاستثمار السعودي في بلد شقيق كالسودان يمكن أن يحقق فوائد مشتركة كبيرة للبلدين ومواطنيهما ليس فقط بسبب أواصر الأخوة بين البلدين وإنما أيضاً بسبب القرب الجغرافي المقترن بتنوع الموارد في البلدين مما يمكن أن يشكل تكاملاً نافعاً للبلدين.
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض