فُرضت الزكاة على المسلمين نسبة وتناسبا بناء على الفائض من الكسب والدخل السنوي وبلوغ النصاب. فهي نسبة ثابتة 2.5% من الزائد على الاستهلاك، ومن الربح السنوي لعروض التجارة والذهب غير المستخدم. وكلما ملك المرء أكثر؛ دفع زكاة أكبر تبعا لرأس المال، ملتزما بالنسبة فلا يدفع أقل، ويمكنه الدفع أكثر بما يدخل في بند الصدقة.
ولو التزم الناس بالتحكم بمصاريفهم تبعا لمفهوم الزكاة وإقرارها بهذه الدقة دون ظلم وإجحاف لما أدخلوا أنفسهم بدهاليز الحاجة وممرات الديون وحتى الفقر!
وحين درست وزارة الإسكان المساحة السكنية المستحقة لكل مواطن تبعا للراتب أو الدخل؛ توصلت إلى أن مساحة خمسين مترا مربع تعد مناسبة للمواطن الذي يقل راتبه عن ثلاثة آلاف ريال، وتزيد الأمتار بناء على مقدار الراتب. عندها ضج الناس ورأوا أن نتائج دراسة الوزارة مجحفة ومحبطة ومهمشة للمواطن، وحمدوا الله أن القبور مجانية!
والحق أن تلك النتيجة واقعية ومناسبة حين ترتبط بالدخل. ولو تصورنا أن مواطنا محدود الدخل بثلاثة آلاف ريال ملك مسكنا بمساحة ألف متر مربع (وهو حلم معظم المواطنين) فكيف سيستمتع به وهو يحتاج الكثير من الأثاث وأجهزة التكييف والمزيد من العناية والنظافة والخدم والتعب!
وإن كان العرب الأوائل قد سبقونا بهذه النظرية حيث حددوا مساحة مد الأرجل على قدر اللحاف؛ إلا أننا لا نلتزم بها وندخل في دائرة الهمّ! فإن حصل المرء على ما يريد وكان فوق حاجته شقي، وإن عجز عنه وشاهد غيره وقد حصل عليه بطرق مشروعة أو غيرها حسده! وحياة بين الشقاء والحسد لهي مريرة!
وما فتئ العقلاء يوجهون الناس لكيفية التعامل مع متطلبات الحياة بناء على الدخل (نسبة وتناسبا) حتى تهنأ لهم المعيشة ويقنعوا بما لديهم ولا يأبهوا بما في أيدي غيرهم، ولكن الإنسان يظل جزوعا.
إن الطفرة الاقتصادية التي تحل ببلادنا من حين لحين ولعدة مرات ثم ترحل وتغادر، لم تساهم قط بصقل الناس وتعليمهم كيفية ضبط الإنفاق وترشيد الاستهلاك، فلا زالوا يحلمون بالثراء والترف. ذلك الثراء الذي ليس بالضرورة أن يجلب السعادة، وذلك الترف الذي يؤذن بسقوط النفوس ومن ثم انهيار الأمم!
ولأننا مجتمع مسلم يدعو دينه إلى الاعتدال في الأكل والشرب واللبس والسكن وحتى النوم والراحة وعدم الإسراف في الإنفاق، فإن من واجبنا نحو بعضنا التذكير والتناصح بعدم المبالغة في الأمنيات كيلا نعيش بين الحسرة والكمد، والحقد والحسد.
وقد رأيت، فأدركت أن أصحاب الدخول المتوسطة أهنأ من غيرهم معيشة وراحة بال. فليست السعادة بجمع الأموال والركض المتِلف للنفس وراءه، والاستحواذ على الملذات، ولكنها استشعار المسؤولية تجاه الكسب بالحصول عليه من طرق مشروعة، وإنفاقه بحكمة في الالتزامات المطلوبة، وتبعا للأولويات، وبناء على منطق النسبة والتناسب.
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny