للعمل الجميل والحراك المميز خلفيات وبناء وتواشيح وموضوعية، وله انعطافات رائعة وبصمات خاصة وركض وقفز ومتابعة وألق وتألق، اعتماداً على مؤثرات دفع نشطة يستخلص من ثناياها الأدوات الفاعلة فيوظف العمل ويستحدث الإبداع والابتكار، سعيا ووصولا لإنتاج عمل ومحفزات تزيد المتعة وتهدف للمضمون وتمنح الحياة الوشاح الكبير، وتجعلها عالية ومميزة وبها بهاء ونماء،
لقد تشكل لدي في الآونة الأخيرة طابع يشير إلى تكتيت قاصر في حاضنة بعض الأفراد الذين يعيشون حركة وهم وتوهم كبيرين ويملكون نزوعاً وتصرفاً واعتقاداً وإصراراً على الجزم بأنهم ولدوا وفق تواريخ وتوازنات خاصة، وهم التأثير كله والتأثر، وإنهم أصاحب ظهور مميز وحدس كبير يعرفون كيف يتعاملون مع المتغيرات والمستجدات بثقة عالية ومميزة، وأنهم شخصيات مالكة ومتحكمة وعالية الفكر والمنطق يستطيعون بها أن يسيروا الآخرين ويوجهونهم وفق تصوراتهم وحيث يشاؤون، معتقدين بأنهم أصبحوا مرجعا وثائقيا ومعرفيا يضمون في صدرهم وبين أكتافهم جغرافية الأرض وتاريخ الكون والبشرية، وإنهم العارفون بالمناخ والتضاريس والفعل والحركة والزمان والمكان، ولهم تميز بالمأكل والمشرب والملبس والدوافع والانفعالات واللهجة والحس والشعور، وأنهم مكتشفو الكواكب والمجرات والأجرام، والعارفون بالرواية والقصيدة والنشيد، وأنهم المبدعون الذين يعطون للأشياء هيمنه وتوازن ومسار، ويستطيعون جر المعاني وجزها وتفصيلها كيفما يشاؤون ويريدون، ولهم القدرة العجيبة على الفعل، ولهم مخيلة يستطيعون بها الفرز والتركيب وهلام الخاطرة ونثر الكلام، ولهم الأدب كله والإبداع كله والإنشاء، وأنهم وحدهم الناهضون بالأشياء والموجودات، أن الدخول في عوالم هؤلاء البعض من الأفراد والتجول في دروبهم ومنعطفاتهم ودهاليزهم يرسينا على معرفة أن هؤلاء انبثقوا من فراغ وعدم وليس من مخيلة غريبة وفريدة، وجاءوا من رحم الخرافة والأسطورة وطقوس العرافين وضاربي الرمل والودع، وألقوا بأنفسهم في خضم وجود مرمز مليء بأحاجي وألغاز ليست لها حلول، حتى أنهم شكلوا من أنفسهم هيكلية للسرد التخيلي والمادة الخرافية التي بنوا على أساسها حياتهم وصورهم وكياناتهم، مثل أسطورة (جلجامش) الخرافية وبناؤها السردي الذي أرتكز على أبجديات - التهويل والتضخيم -، أن تمخضات هؤلاء البعض من الأفراد هي تمخضات واهية وبها انكسار ولين، لكن لديهم رغبة عارمة في الرقود على صور خيالات تتنامى في مخيلتهم وتتناسل على آمال عراض يرسمونها هم بأنفسهم ويعتنون بها بدقة متناهية على أمل الاستمتاع بها في الليالي التالية حينما يؤولون ويرسون على جزئية الحكاية الغامضة المضببة، أن الأجوبة الباهتة والأعذار الواهية جاهزة لديهم تنقلها أحاديثهم وأفعالهم التي لا ترقى للمراد والمبتغى، أنهم يملكون حيزا كبيرا للرسم وإثارة الفضول، محاولين بشغف أيدخلوا الآخرين لكينونة التصديق، أنهم يخلقون الحكاية ويأتون بالشخوص ويحركون الأحداث وفق رؤاهم الرمادية التي يؤمنون بها، أن تساع كلامهم وتصويباتهم حتمتها الحاجة لديهم إلى تبؤ المنبر للدفاع عن فرضيات وتقاطعات وأهداف وغايات يلتقون بها مع آخرين معنيين من نفس الصنف والهوى والغاية والحلم، حتى لو تم الخروج عن المنطق والمألوف والمحظور والخطر، أنها مشكلة الزهو العالي وتراجيديا الكلام وكوميديا اللغة والحديث ومحاولة التفرد، أن هؤلاء الذين يحاولون دائما تكريس أنفسهم على أنهم الوحيدون والمعلمين والخبراء ولهم تصورهم الفريد واستشفافهم النادر، يتخذون طابعا تراجيديا يتجاوزن به كل الأعراف الخطابية والكلامية حد الإدماء، متخذين معالجة مبنية على أساس الحبكة ولم الخيوط الدرامية التي تبدأ باستهلال القصة وتركها طيلة المسار السردي منفرطة وهلامية وتدخل في اشتباك معقد تصاحبه وتسايره الحيرة المربكة ورسم الاحتمالات المفرطة، لقد مارس هؤلاء البعض من الأفراد هذا الفعل في الحرق والاشتعال وحاولوا وضع بصماتهم على ذلك ليقدموها للناس بما يشبه النار والفتيل والدهن والحجر والبراكين الحامية، لغايات ذاتية محضة بعيدا عن هموم الوطن والناس وتطلعاتهم وآمالهم وأحلامهم المشروعة، أن هؤلاء البعض من الأفراد - النرجسيون - قد أغمضوا عيونهم بقوة وبقصد عن كل شيء إلا البحث لأنفسهم في متون الأحداث عن موقع وتموضع وحضور وعن أقواس مفتوحة في الليالي البهيمة كالفاتح المجنون من تحت رماد البهتان، أن هؤلاء حتما يسبحون في بحيرة آسنة ومالحة وليست صافية، ليس لهم ضوء ولا بهاء ولا ألق شمس في حصار غيوم، لهم فلسفاتهم الناقصة، وهرطقاتهم المعتمة، وحركاتهم التي تشبه الطير الذبيح، أن هؤلاء البعض من الأفراد ليس لهم تنبؤ ولا فراسة ولا قراءة ولا حدس، يشبهون بامتياز الجالس على ربوة تحيطها بحيرة ماء بيده زهرة ويمنح المارين الكلام ولا شيء غير الكلام، في نفوسهم هؤلاء متسع للتقهقر والنكوص، العمل الأبيض لا يطوق أفعالهم، وفي دمائهم لا يتنفس الحراك الجميل.
ramadanalanezi@hotmail.com