قبل ثلاثة عقود، وتحديداً في بدء الثمانينات الميلادية كنا قد دعونا إلى تخليص القصيدة النبطية من (نمطيتها) وإخضاعها للهجة (المحكية) التي توائم زمنها وتشذيبها من الحشو والزوائد واختزال الإطالة اللا مجدية.
وبالفعل قدَّم ذلك الجيل قصيدة حديثة تقترب في شكلها ومحتواها من شقيقتها (الحديثة الفصحى)، بل غامر بعض الشعراء وببسالة بكتابة قصيدة التفعيلة، بل حتى قصيدة النثر (وعلى استحياء وإقلال) وكان ذلك إبان كان أغلب شعراء الفصحى الحداثيين يجنحون أيضاً إلى القصيدة القصيرة باعتبارها النص الملائم مع زمن السرعة والاختصار وكذلك فعل زملاؤهم كتَّاب القصة القصيرة، واليوم ما الذي يمنعنا أن ندعو إلى (القصيدة القصيرة جداً) (والمكثفة جداً) ولا سيما أننا في زمن التويتر الذي يحتاج إلى اختصار الرأي والمقالة والفكرة إلى عدد جد محدود من الأحرف. ومع أننا لا نحبذ كثيراً حصر القصيدة (بحيز ضيق) إلا أننا حينما نعود إلى الذاكرة الشعرية فإننا نجد أننا كتبناها بعفوية مطلقة دون المساس بالمعنى ولا بالشكل أيضاً فجاءت (قصيدة تويترية) قبل أن نعرف (التويتر) وقد أطلق النقاد عليها آنذاك (القصيدة المكثفة جداً) أو (القصيدة الطلقة) كالقول مثلاً:
(1) يا دوي الكلمات
خفف الوطء قليلاً
فضمير الناس مات
(2) كون
إلامَ سنبقى نمارس هذا الجنون
ونبقى نحاول يا صاحبي أن نكون
كما نبتغي نحن / لا مثلما يبتغي الآخرون
(3) جمل الطير
الجمل الذي خلّفه الرعاة،
في الفلاة
مقيداً (مهجور)
قد نقرت هامته
كواسر الطيور
فخرج الدود من عيونه
وظل حول نفسه يدور
(4) كآبة
حينما تقطن القلب الكآبة
وتمرين بذهني كالسحابة
يصبح العالم الشاسع
في عيني ذبابة!
(5) صديق
صديقي ولكن بيني وبينك تنآي المسافة
فما زلت أحيا تماماً كصعلوك
وما زلت تحيا حياة الملوك
لهذا أقول: وداعاً صديقي
وإن وحّدتنا الثقافة
و(سنكمل لاحقاً)