أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسان إحسان
وكن على الدهر معواناً لذي أمل
يرجو نداك فإن الحر معوان
من كان للخير منّاعا فليس له
عند الحقيقة إخوان وأخدان
لا تحسبن سروراً دائماً أبدا
من سرّه زمن ساءته أزمان
كثيرةٌ هي طرق الخير، وكثيرٌ من الناس - ولله الحمد- والفضل والمنَّة يملكون الملايين والمليارات وربما التريليونات وما فوقها وهم سيغادرون الدنيا عاجلاً أم أجلاً ويتركون ما وراءهم ظهرياً ولا يبقى لهم إلا ما قدَّمته أيديهم من خير للناس سواء بصدقات عينية أو نقدية أو تأسيس خدمات دينية أو دنيوية كالمساجد ودور العبادة والمشافي ودور العجزة والمسنين وبناء المساكن للمحتاجين وقضاء دين المدينين والمعسرين وفك نوائبهم وكرباتهم وقضاء حوائج اليتامى والأرامل والمعاقين ودعم الجمعيات الخيرية وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم والوقف وعتق الرقاب وغيره من طرق الخير والأجر والمعروف. وأكثر ما يثير عجبي واستغرابي هم أصحاب الأموال الطائلة الذين يعلمون أنهم مغادرون قريباً برحلات مقررة للبرزخ والدار الآخرة ومع هذا فلا تجد لهم أي دور خيري ولا عطاء ولا مساعدة، بل إن منهم من قد أوعز لكتَّابه وحجّابه بأن يعتذروا دائماً للناس، هذا إن لم ينهروهم ويهينوهم، وما درى هذا المحروم أن {مَّن يَبْخَلُ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ}، وأن الناس ما قصدوه إلا لأنهم علموا أن عنده خيراً كثيراً وأنه بفضل الله يقدر، وأنهم يظنون أنه سيفرح لأن الله جعله يداً عليا، والمحروم من حرمه الله من خير ماله وجعله فقط عاملاً عليه وسيكون ميراثاً لمن خلفه ولم يقدّم ما سيجده في ميزان حسناته، بل إن بعضهم يرجو الله أن يرقّق قلوب من يرثه ليتصدّقوا له وهو لم يقدّم شيئاً، نسأل الله السلامة والعافية من المبخلة وحب الدنيا والحرمان من الخير لمن يقدر عليه، والله من وراء القصد.