الرياض - خاص بـ الجزيرة:
أدت بيوت الله منذ صدر الإسلام أدوارا اجتماعية متعددة، ولم تقتصر فقط على جانب العبادات بل كانت منارات للعلم والمعرفة، وعقد ألوية الجيوش الإسلامية، بل شملت مناقشة الكثير من شؤون المجتمع المسلم وعلاج قضاياه.. وفي وقتنا الحاضر يلاحظ أنّ هناك من القضايا والمسائل التي يمكن أن يكون لبيوت الله إسهام مهم فيها وتفعيل دور المسجد، وبالتالي خدمة المجتمع والتيسير على أفراده، ومن ذلك ما يتعلق بواجب العزاء، وتقديم هذا الواجب لذوي المتوفى، والقضاء على العديد من الظواهر السلبية التي تصاحب أيام العزاء ومنها المبالغة، والإسراف والتبذير في الولائم، وما يتحمله ذوو المتوفى من أعباء مالية نتيجة إعداد المكان لاستقبال المعزين وما يتبع ذلك من أمور أخرى، ما رؤيتكم للدور الذي يمكن أن تؤديه بيوت الله في جانب استقبال المعزين بتخصيص وقت معيّن لهذا الهدف، وأثر ذلك في القضاء على أي ظاهره سلبية تصاحب تقديم العزاء وفي مقدمتها الأعباء المالية، وما الفوائد التي ستتحقق للمجتمع المسلم إذا تم الاستفادة من المساجد في تقديم هذا الواجب الإسلامي.
لابد من دراستها
بداية يستهل أمام وخطيب جامع الملك فهد بالرياض الشيخ جمعان العصيمي إجابته على هذه التساؤلات، بإيراد قول الله تعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} سبحان ربي بقدر ما تكون أيام العزاء فيها من الحزن لذوي الميت ومن يأتيهم ليواسيهم، تجد أنها أيام فيها من المنافع التي جعلها الله سبحانه للناس، فلك أن تعرف أن كثيراً من قضايا المتهاجرين والمتخاصمين قد تندك على صخرة أيام العزاء لما فيها من الألفة والتقارب بين الناس، فما بالك بغيرهم ممن كان قريبا أو بعيداً، وإننا لنجد صوراً طيبة من المواقف والمشاعر ما كانت لولا هذه المصيبة مصيبة الموت.
وأضاف قائلاً: لا شك أن المؤمن أمره عجب كله إن في السراء شاكراً أو في الضراء صابراً، ومع هذا فلا يخفى علينا ما يدور في أنحاء بلادنا من تفاوت كبير في أداء هذا الواجب الذي يتفق الجميع بلا استثناء على أهميته وأدائه، وفي المقابل نجد بوناً وفرقاً شاسعاً في قضاء أيامه ولكننا نجد توحداً في مسيرة وتطور العزاء نحو الإسراف والإثقال على الناس سواء من أهل الميت أو من يرغبون في إكرامهم من الأقارب والأصدقاء، فليتنا ونحن حريصين على هذه المنفعة واللحمة بين الناس، أن نسعى إلى تقنينه وترشيده لو اقتصاديا أو يكون هناك من يدرس ويتحاور في هذا الموضوع الذي لا ندري إلى أي مدى سيصل بنا ونحن نرى التطور السريع خلال العقدين الماضيين، ولعل بعض التجارب الناجحة التي خدمت موضوع العزاء وطبقت في داخل المملكة وخارجها فعله في المساجد أو مرافق بيوت الله، والتي سيكون لها أثر بالغ في وحدة الناس وتآلفهم، على الأقل نقطة تخصيص الوقت الذي يؤرّق أهل العزاء، فهم قائمون على أقدامهم من أول النهار إلى ساعات متأخرة من الليل، ولا أستعجلكم في هذه الفكرة التي أرى أنها مناسبة، ولكني أدعو إلى دراستها أو على الأقل تبنِّيها من أهل الشأن في وزارة الشؤون الإسلامية التي تشرف مباشرة على بيوت الله وما يتعلق بها.
ولفت فضيلته إلى أن الهدف من تسليط الضوء على هذا الموضوع، هو ما يراه الإنسان من سلبيات أيام العزاء عند كثير من الناس، وقليل منهم من يكون متوازناً في هذا الأمر، سواء في المكان أو الزمان أو ما يقدم لمن يحضر هذه المراسيم، وليست المسألة فرضاً رأياً أو شيئاً يخالف شرع الله، وإنما هي دعوة إلى الوصول إلى الأحسن وفق منهجنا وعقيدتنا وعاداتنا وقيمنا الطيبة التي لا تتعارض مع أمر الله، ولعل رأياً من مسلم يبعث به يكون فيه الخير، وكلنا يؤمن بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً»، ومصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأحيه ما يحب لنفسه» جعلنا الله مفاتيح للخير مغاليق للشر قائمين بأمر الله على ما يحب ويرضى، ووفق الله بلادنا لعمل الخيرات والسعي إلى الرقي في كافة شؤون الحياة الدينية والدنيوية.
تأصيل الألفة
ومن جهته يقترح الأستاذ سعد الشليل فتح مساجد الأحياء لتقديم واجب العزاء في الأوقات الفاصلة بين الصلوات، مثلاً بين وقتي صلاتي الظهر والعصر أو المغرب والعشاء، وكذلك إتاحة الفرصة للنساء لتقبل التعازي لذوي (المتوفى - المتوفاة) في مصليات النساء المتوفرة ولله الحمد في معظم مساجد هذه البلاد والمجهزة لصلاتي التراويح والقيام في شهر رمضان المبارك.. وذلك في مساجد الأحياء القديمة من المدن والتي يقطن بها ذوو الدخل المنخفض أو المقيمون من الأشقاء العرب أو من الدول الصديقة من المسلمين.. وذلك تأكيداً على الدور الهام للمسجد في تأصيل الألفة والتكاتف وتعارف وتقارب سكان الحي مع بعضهم من المسلمين من قاطني تلك الأحياء ومشاركتهم لبعضهم في الأفراح والأتراح، وذلك بالتعميم على أئمة تلك المساجد بذلك، حيث يشعر إمام مسجد الحي بهذه الخطوة التي تعتبر إيجابية وتطويرية في ترسيخ مفهوم دور المسجد الاجتماعي انطلاقاً من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف في تأصيل وتفعيل الدور الإيجابي للمساجد في ذلك، والذي بدوره يقوم بإبلاغ المصلين بهذه الخطوة التي ستلاقي إنشاء الله القبول والترحيب، والقبول من قاطني تلك الأحياء.
ويعرب عن ثقته أنه في حالة تطبيق ذلك فإنّ ميسوري الحال من سكان تلك الأحياء سيتبرعون بتأمين احتياج المشرب والمأكل والتسابق لتقديمها، كأقل واجب وأكبر الأدلة المحسوسة في ذلك مشاركة أهالي تلك الأحياء بل ومعظم المحسنين في المشاركة في تفطير الصائمين في شهر رمضان المبارك، تحسباً للأجر والمثوبة، تأكيداً لقوله تعالى في محكم تنزيله، قال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
وقال: إنه بهذه الخطوة في حال إقرارها والموافقة عليها من قِبل الجهة المختصة، بعد إخضاعها للبحث والاستنارة بآراء علماء هذا الوطن الأفاضل.. سيتحقق بتوفيق الله الآتي: تأكيد وتفعيل الدور الريادي للمسجد ودوره في تحقيق الألفة والمحبة بين السكان، وتخفيف الأعباء المادية للأسر الفقيرة القاطنة بتلك الأحياء، وأيضاُ للمقيمين من المسلمين في هذه البلاد الكريمة التي تعتبر اليوم المرجع الأول للعالم الإسلامي، وفي ذلك أبلغ رسالة عن محاسن هذا الدين الإسلامي العظيم مما سيسهم ـ إن شاء الله ـ في ترغيب غير المسلمين من القاطنين بتلك الأحياء أو بقية الأحياء بالتفكير في هذا الدين الذي شمل بسماحته جميع مناحي الحياة وأهمية دور العبادة (المساجد) في ذلك، وبالتالي قد تدفع بعضهم لاعتناق الإسلام ونقل هذه الصورة لبلادهم عن تآزر المسلمين وتعاونهم في جميع الأمور الحياتية، وهو ما دأب على تفعيله قائد هذه البلاد الكريمة خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ في رعايته لحوار الأديان.