في الشرق تختلط الأمور بين الإعلام بصيغته الرسمية ممثلاً للرأي الرسمي, وصيغته المهنية بصفته إخباراً بالوقائع والمستجدات داخلياً وخارجياً, وبين تحميله مسؤولية ريادة التغير وتطوير الوعي المجتمعي وذائقة الثقافة المجتمعية؛ كونه يقود مسيرة الثقافة العامة، وعليه مسؤولية ريادتها. ولكنها ريادة مع وقف التنفيذ؛ حيث زمام فرض الوجهة وتفاصيل الممارسات الاجتماعية بين المسموح والممنوع والمسكوت عنه قدرة اختلستها جهات أخرى تحت مظلات تبرير رسمية وغير رسمية لعل أقواها المظلة الكهنوتية التي احتكرت تفسير المفردات والمستجدات والمنزلات وتحديد اللغة المتبادلة الشعبية والمصطلحات؛ فترفض التعددية، ويعلو صوت ثقافة الرأي الواحد، وتنحدر المثالية إلى مجرد عنوان تصنيفي لا يفرض الممارسة الفردية.
وصول المعلومة إلى المسؤول وصانع القرار والشعب عامة واضحة وخالية من العبث والتلاعب والتهميش والتضليل ضرورة مصيرية للأمن؛ فلنحاذر أن ننشغل بقضايا مقاسات الملابس عن قضايا حقوق المواطن ومقاسات الوطن وأمن حدوده داخلياً وخارجياً.
لماذا حين يتذرع المسؤول الغربي بذريعة «المحافظة على الأمن» يجد من المجتمع كل تعاون وتقبل، سواء كان هذا الأمن داخل الحدود أو خارجها، بينما حين يتكلم المسؤول الشرقي عن «المحافظة على الأمن» يُفهم منه الرغبة في القمع والتشديد على المجموع الداخلي؟ هل لأن الغرب استطاع أن يفرض في بوتقة التعددية ما يجب أن يلتزم به كل فرد من أي فئة ليحصل على حقوق الانتماء، وأولها الحماية من تجاوزات الآخر الذي يعي اختلاف خصوصيته ورغباته رغم انتمائه إلى البوتقة نفسها؟
أم لأن الشرق لا يستطيع تقبل فكرة اختلاف تفاصيل الفئات ومرئياتها حول ذواتها؛ وبالتالي لا يستطيع أن يضمن تعايشها بسلام إلا بممارسة التشديد؟
هل موروث المجتمعات العتيقة التي بني تكوينها منذ القدم على الانتماء والولاء لجذور مشتركة من وحدة الإثنيات والملامح واللون واللغة وتفاصيل المعتقد هو ما يسبب هشاشتها؟ أم قوتها؟ خاصة اليوم في زمن الحدود السياسية المستجدة فوق خارطة تجمع إثنيات ومذاهب مختلفة؟
المجتمعات التي تعبر عن معتقدات مجتمعية لا تتطابق مع ما اتفق عليه الغير من حقوق الإنسان ولا حتى حقوق المواطنة هل يمكن تعديل مواقفها وآرائها دون ممارسة فرض القانون الجديد بالقوة لحماية الكيان الموحد المستجد ومستقبله كما تفعل الصين في فرض قانون الطفل الواحد؟ ألا يدفع ذلك عندنا إلى ممارسة الممنوع في الخفاء كتزويج القاصرات؟
كيف إذن تحمي الدول نفسها من الهشاشة التي تقود إلى التصدع حالما تزول يد القوة الأمنية الحامية للكيان الجديد انتماء لهوية سياسية واحدة؟
هل المجتمعات حين ترفض التعددية غير المعتادة في زمن الأسلاف والمستجدة الهوية سياسياً في المجتمع الدولي هي من يجعل التعايش أمراً خلافياً تطلبه الدولة والفئات المستضعفة في الكيان الجديد ويرفضه الأغلبية السكانية؟
علاقة المجتمع والسلطة والفرد بالإعلام تختلف جذرياً في الشرق، أو كل جهة أخرى لا يستوعب فيها أفراد المجتمع أو المسؤول أن البقاء الحضاري يضمنه فقط ممارسة ثقافة الانتماء الجماعي مع تحقيق العدل والعدالة وفرض المسؤولية المؤسساتية والفردية، وتقبل الفروقات الفئوية والفردية واحترام حقوق الإنسان وتطبيقها, وحقوق المواطنة للجميع وحق الاختلاف في الرأي والخصوصيات إلا ما يضر المجموع وأمن المجموع.
وهذا يقودنا إلى خطورة ضمان المحافظة على الأمن بكل أشكاله.
وحين نرى ما يحدث في العالم العربي من استفزازات هدفها إثارة ويلات الطائفية والنعرات الدينية تقشعر الأبدان نفوراً مما يمكن أن ينخر أساسات مجتمع بني أصلاً على مثاليات {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ليتماسك بنيانه!
لندع لهم بأن يتوصلوا إلى حلول ترضيهم وتبقي أوطانهم.
ولنتعظ ألا نسمح بمثل هذا أن يحدث في أراضينا.. وفيها للمترصدين أغراض أهم.