(ربّما أن أمريكا ليست مستعدة لاستقبال سيدة أولى بيضاء) بهذه الكلمات رحب الممثل الأمريكي (روبرت دي نيرو) بسيدة البيت الأبيض (ميشيل أوباما) أثناء الحفل الذي أقامه الحزب الديموقراطي لجمع التبرعات بنيويورك.
هذه العبارات تعيدنا سريعاً إلى الحوادث الدامية التي راح ضحيتها المناضل الأمريكي (مالكوم إكس) بست عشرة رصاصة اخترقت جسده عام 1965م، أما والده القسيس (إير ليتل) فلم يكن أوفر حظاً منه فقد قُتِلَ أيضاً بعد أن هُشّم رأسه وقُطّعت أعضاؤه ليوضع بعد ذلك على سكة قطار ليختفي ما بقي من جسده تماماً دون أن تتعرض منظمة (كوكلوس) العنصرية لأيّ نوع من المساءلة أو الملاحقة القانونية.. هذه الحادثة (الوحشية) التي وقعت قبل واحد وثمانين عاماً تتكرر اليوم بنفسٍ جديد وأسلوبٍ عصري يتماشى مع ديموقراطية القرن الواحد والعشرين التي يصدع بها قادة الولايات المتحدة الأمريكية في المحافل الدولية.
هذه الأحداث الحساسة رغم تباعدها زمنياً واختلاف آلية تنفيذها إلا أن دافعها الأساس لا يزال حاضراً بنفس القوة والإصرار؛ فالعنصرية الأمريكية موجودة ولكن ليست بالصيغة السطحية التي ساقها أحد الزملاء من الكتّاب فلا يمكن أن يفتخر أحد الأمريكان كونه من نيويورك أو غيرها من المدن الأمريكية! ولا يحق لنا أن نسقط مفاهيمنا (المحلية) التي تندرج في سياق (اللاوعي) على الأمم الأخرى لنعقد مقارنة فضفاضة بين حضارتين لا يوجد بينهما أيّ رابط سوى خيال الكاتب الخصيب.
العنصرية أو التمييز العرقي (Racism) تعني التمييز بين البشر على أساس الاختلاف العرقي الذي يكسبهم قدرات خاصة تعزز من انتمائهم إلى فئة معينة وفي غالب الأحيان ما يستند هذا الاختلاف إلى الجوانب الجسمانية ؛ إذاً فهي بهذا المفهوم والدلالة غير موجودة في المجتمع السعودي، والشارع لم يشهد أحداثاً جنائية كانت نتيجة توجهات عنصرية وهذا مما يحمد لأبناء هذا الوطن الذين انصهروا في بوتقة واحدة يتفيؤون ظلال هذا الوطن الكبير؛ إذاً لا يحق لأيٍّ كان أن يتهم مجتمعنا بالعنصرية بطريقة عبثية يساوم فيها أبناء الوطن على تاريخهم وتراثهم اللذين لا ينفكان عن القيم الوطنية لديهم.
مشكلة بعض مثقفينا أنهم بارعون في خلق المشاكل وتضخيمها ونفخ الروح في أجساد الفرقة والاختلاف التي عفا عليها الزمن وأصبحت أثراً بعد عين.
هذه الإشكاليات التي أبدع هؤلاء في تصميمها وبسطها لا وجود لها في واقعنا الحي، فهي تعيش داخل واقعيات هلامية لا يمكن فصلها عن الثقافة الإنثربولوجية لديهم ولن نتمكن من فك رموزها إلا بالرجوع إلى تلك المعادلات الخوارزمية في أدمغتهم، هذه الإشكالات الجزئية قد لا تشكل قيمة جُلَّى أثناء إثارتها وطرحها ولكنها مع مرور الزمن ستجد من يطبل لها ويكبّرها؛ وستتفرع عنها مشاكل جديدة أخرى لتسير في نفس سياقاتها.
أظن أن الوقت قد حان بالعفل لكي تنقل هذه الفئة المثقفة نفسها من عالم اللاوعي إلى العالم الحي الذي يعيشه البشر بكامل تفاصيله، فالناس مازالوا بحاجة إلى كل سفينة تجمعهم لا إلى قشة تحيلهم إلى القاع مع أتفه موجة.
Alfaisal411@hotmail.com