جاء رجل إلى الأمام الشافعي فقال له فلان يذكرك بسوء.. فأجابه الشافعي إذا صدقت فأنت نمام... و إذا كذبت فأنت فاسق.
هذه العبارة أو الحكمة من الأمام الشافعي تشكلت في ذاكرتي عندما اتصلت بصديق (يسكن في محافظة جدة) لم يكن بيني وبينه تواصل لمدة طويلة تتجاوز العام رغم ما يربطني به من علاقة وثيقة وجوامع مشتركة في مجالي الفن كفانين من (قدامى المساهمين في ساحة الإبداع) أو في مجال الكتابة والقلم الذي أقدر فيه خبرته وأجد فيما يطرحه الكثير من الإضافات لخبراتي المتواضعة (أرجو ألا يعتب على هذا الطرح).
هذا الاتصال الذي أعدنا فيه الكثير من الذكريات لم يخل من المصارحة فقد قال وبمنتهى الود.. من المؤسف أن نصدق كل ما يقال ومن المحزن ألا نكون أقرب لبعضنا البعض بالمكاشفة. قلت ماذا تعني..؟؟ قال: لقد أسيئ لك كثيراً من بعض من يطرح اسمك أمامهم وتلقيت تحذيرهم من التعامل معك، مكملاً حزنه بسؤال: (هل انقطاعنا يعني أن في النفوس شيء ما.. ؟؟ استطعنا بتلك العبارات اكتشاف أنه وكما يقال: (من حكا لك حكا عنك) وأن من رددوا تلك الجمل عن (شخصي) أمامه، قد اسمعوني منها الكثير (عنه)، لتصل بنا الحال من الدهشة إلى لحظات من الصمت المؤلم الذي لا يخلو من (عبرة) نتجت عن تأثري وتعجبي ممن يكافئ مواقفي المشرفة معه بالإساءة.. رفضت البوح لصديقي بتلك العبرة اعتداداً بالنفس لئلا يظن أنها لحظات ضعف بقدر ما هي تعبير عن قوة، دافعنا جميعاً بما سبق من صبر.. عن كثير من الأذى، ما علمنا به كما أشار صاحبي.. أو ما لم نعلم به، فكان لتلك الحكمة من الإمام الشافعي ما أعادنا إلى الواقع واللحظات الجميلة، حققنا فيها دون علمنا، اتفاق نقله توارد الخواطر، بأن ما كان يقال أو ما سيقال بعد هذه الزاوية، لا يشكل قضية بقدر ما يزيد في تمسكنا بمبادئنا وصدق تعاملنا وصراحتنا الدائمة مع بعضنا (كثنائي) أو مع كل صديق يشاركنا المشاعر وصراحة البوح.. وكذلك مع من لا نعرفه إلا من خلال علاقته بالفن التشكيلي، أداء ومساهمات فاعلة، لا نخلو جميعاً من القصور فيها، أو من الوقوع في أخطاء نجهلها.
وإن كنا نحمل العتب لأولئك الناقلين لما يسيئ لغيرهم، فإننا أيضاً نتحمل نتائج الصمت والتصديق بما نقلوه، توقعاً منهم أن بقاءهم في الساحة التشكيلية وكسبهم للأصدقاء وقفٌ على مثل هذه التصرفات، لأسباب مجهولة لا تقدم بقدر ما تؤخر، وتشيع التفرقة، كان الأجدى بنا أن نتصارح لنكشف حقيقتهم، ونعريهم أمام الجميع، في ساحة لا يختلف أحد على أن المنافسة فيها تحرك العواطف وتثير النعرات وتشيع حالات الحقد والحسد والضغينة، متناسين أنه لن يبقى لأي منا في هذه الدنيا غير العمل الصالح، ومنه العلاقات الصادقة النظيفة، مهما اختلفنا في الرأي أو لم نتفق على أي أمر، دون خدش أو جرح لمشاعر.
لذا أقول لكل صديق عندما ينقل له رأي سيء فيه أن يذكره بما قاله الشافعي، فسيرى ما يحدثه هذا القول من تأثير عليه، وشعوره بضآلة الحجم عند نفسه عند اختياره لإحدى الصفتين (إما.. نمام أو فاسق)..
واختم بقول أحمد شوقي..
هجرت بعض أحبتي طوعاً لأني رأيت. قلوبهم تهوى فراقي
وأشتاق لقائهم گثيراً، غير إني وضعت گرامتي فوق اشتياقي
وأرغب وصلهم دوما ولگن طريق آلذل لآ تهواه « ساقي
monif@hotmail.com