كتــاب ألفه مجهول من أهل القــرن السابع الهجري اسمه أنس العاشـق ونـزهة الشائق ورياض المحــب الوامق، ويعتبر مصـدراً فريداً لمجموعة من الأشعار التي لم ترد في الكتب الأدبية، ولم يسبق لراو من رواة الشعر ذكرها، وذلك ما حفزني إلى إخراجه، لأن مثل هذه الأشعار المغمورة هي التي أبتغي إضافتها إلى سجل تاريخ الأدب العربي، الذي كثيراً ما عنى نيل الأيدي وتظلم النوايا السيئة التي تصدت له بالإحراق والضياع. وأما ندرته في بابه فلأن تاريخ تأليفه متقدم، ويرجع إلى بداية العهد المريني بالمغرب الشقيق، فعلى الرغم من انعدام المعلومات المتعلقة بالمؤلف (اسما وعصرا ووفاة) فإنه باستقرائي للمتن حاولت تحديد العصر الذي عاش فيه مؤلفنا المجهول، وذلك لوقوفي على قرينتين مؤكدتين هما:
- أنه كان معاصراً لسارة الحلبية الشاعرة المتصوفة المتوفاة عام 700 هـ، لقوله عند ذكرها: “ومن المتظرفات من أهل عصرنا سارة الحلبية”.
- أنه عاصر عبد العزيز المللزوزي، الشاعر المغربي المشهور المتوفى عام 697 هـ وذلك لقوله: “أخبرني عبد العزيز المللزوزي”، فهاتان القرينتان تدلان دلالة قاطعة على أن صاحب “أنس العاشق..” مغربي من أهل القرن السابع للهجرة. وقد كان إثبات مغربية هذا الأثر الأدبي قد زادني تشجيعاً على إخراجه، ونشره. وحوى الكتاب المذكور كثيراً من الأبواب، ومن ذلك ما قيل في الظرف، وسأورده لعل القارئ يجد فيه فائدة.
قال ابن المعتز: الظرف هو العفاف عن المحارم كلها وانشدوا في هذا المعنى:
ليس الظريف بكامل في ظرفه
حتى يكون عن الحرام عفيفا
فإذا تعفف عن محارم ربه
فهناك يدعى في الأنام ظريفا
وقيل: الظرف العفاف والسيرة الحسنة وحفظ الأدب، وقال محمد بن خالد: الظرف حسن الخلق والعفاف والكرم. وقيل: الحسن والظرف أخوان والأدب والحب صنوان، والظرف والشباب شجرة ذواتا أفنان، فأول ما يجب على الظريف أن يتحلى بالأدب ومكارم الأخلاق وتهذيب النفس واجتناب أفعال العوام الخسيسة، منها أن يكون صموتا من غير عي، متكلما من غير إكثار ولا هدر، كما قيل:
الصمت زين والسكوت سلامة
فإذا نطقت فلا تكن مكاثرا
ولئن ندمت على سكوتك مرة
فلقد ندمت على الجواب مرارا
ومنها أن يجتنب المزاح الهجن، فإنه يورث الضغائن والأحقاد. وكتب عمر رضي الله عنه إلى عماله: امنعوا الناس المزاح فإنه يزيح عن طريق الحق. وقال الشاعر:
وإياك إياك المزاح فإنه
يطمع فيك الطفل والرجل الرذلا
ويذهب ماء الوجه بعد بهائه
ويورث بعد العز صاحبه ذلا