بعيداً عن لغة الأبراج العاجية والفوقية في التعاطي مع القضايا والأزمات، وفي شكل جديد قريب إلى فهم وعقل ومكمن جرح كل مواطن بسيط.. في تمام الساعة الثامنة مساء يطل الإعلامي داوود الشريان، الملقب بـ”كبريت الصحافة”، وفي جعبته قضايا شعب ووطن وحلم، بثوبه وشماغه ولهجته الشعبية القريبة من الناس.. نجح في كسب ثقة الجماهير السعودية المتابعة لبرنامجه “الثامنة” على شاشة الإم بي سي الذي أصبح منبرا ًمؤثراً يتقلب بين هموم الموطن، ويقرأ تطلعاته بدقة وتمكن، ويخوض في قضاياه التي ظلت عالقة لفترة طويلة.
ساعة واحدة بدت كافية للتنفيس عن غضب وقهر وتراكمات شكوى واحتجاج لم يجد من يسمعه ويتفاعل معه، فجاء برنامج داوود وبين يديه ملف مثقل بالخيبات، حافل بالقضايا الساخنة، يتناولها واحداً بعد الآخر دون كلل أو ملل، حتى علق بعض المغردين في تويتر بلغة تفيض عفوية وتلقائية “الحمد لله داوود ما جته جلطة من هل المسؤولين”! لكن شخصاً مثله يعلم أن خلف كل ملف، ووراء كل حلقة، تقف عيون تترقب وقلوب ترتجف ونفوس تنتظر حلاً رغم تواصل الخذلان.. فالكتاب يكتبون والمسؤولون يوعدون والواقع.. مكانك سر!
داوود الذي لا يملك عصا سحرية يغير بها الواقع، لكنه يملك من الصبر والوطنية والإنسانية ما يجعله يجادل ويناضل في سبيل الوصول إلى حل أو مجرد تفسير لوعود لم تنفذ على الرغم من تضرر الآلاف وأحيانا الملايين منها.. فها هو يسأل ببساطته المعهودة وزير التربية والتعليم “وش ذا الحتسي” يا سمو الأمير.. الأمير الذي ولأريحية البرامج وطابعه القريب إلى الناس شكلا ومضمونا لم يرتد “بشتا” مطرزا بالذهب، لعلمه بطبيعة اللقاء عميق الهدف، بسيط المفردة.. وأنه بصدد الإجابة عن سيل من الأسئلة الساخنة ووابل من الشكوى الغاضبة.
وها هو الشريان يتقلب بين القضايا برشاقة الصحفي المخضرم، بوجع الغائر على وطنه المستشعر لآلام المواطن والمتفهم لما يجري داخل الأروقة الحكومية من تقاعس وبيروقراطية.
فهو من تحدث عن المراكز الصحية وفضائح المباني المدرسية وضياع حقوق المعلمات وغيرها من مشاكل التعليم أمام وزيرها، كما سلط الضوء على حقوق المرأة والمطلقة وموضوع الإسكان والنقل والقضاء واستثمار الأجانب ومستقبل السجينات والمكفوفين وغيرها من الموضوعات الحساسة التي عانى من فشلها وتدهور خدماتها كل بيت من بيوت المملكة تقريبا، بلغة بسيطة تشبه حديث الناس في المجالس والمقاهي، لا تخلو من الفكاهة أحيانا على الرغم من مأساوية الطرح.. فيما يستمر نقاش السعوديين بعد الحلقة في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى في البيوت، إذ ذكرت إحدى المشاركات في موقع تويتر بغضب “الله يسامحك يا داوود أنت تخلص البرنامج وتروح ترتاح، وأنا أقعد أسمع نقاش أمي وأختي بعد البرنامج!”. هذه التغريدة إن دلت على شيء فهي تؤكد أن البرنامج يثير مساحات النقاش والحوار والاختلاف الإيجابي بين الناس.
نحن بأمس الحاجة إلى مثل تلك البرامج التي تعيد طرح التساؤلات وتطالب بإجابات عاجلة وعادلة لكثير من الأسئلة.. وتضع المسؤولين أمام آلام المواطن العادي.. العادي جداً.. تكشف الحقائق.. تعري الواقع.. وتخرجه كما هو دون مكياج أو رتوش.
نحن بحاجة إلى برامج يتخلى في حضرتها الضيف عن مشلحه الفاخر وحديثه الدبلوماسي ووعوده الأنيقة ويفهم أنه أمام جمهور ملّ الوعود والمشاريع غير المنجزة ولم تعد ترضيه كلمات مثل “سيتم ، سنقر، سنقوم، سندرس”.
أخيرا.. باقة شكر لداوود.. للمواطن في داخلك قبل الصحفي.. لعفويتك وبساطتك حينا وسخريتك وغضبك وقسوتك أحيانا أخرى، فهي ما يعكس كم تحملنا بداخلك وكم أنت ملتزم بنشر قصصنا، ومشغول بآلامنا وآمالنا وأنك لا تطل من أجل الشهرة والظهور، بل لأنك مؤمن بأن هناك في آخر النفق أملاً ونوراً.. وهو هناك بإذن الله.
Twitter:@lubnaalkhamis