|
مَن الشعراء مَنْ يمثل منعطفاً إبداعياً لافتاً، وهذا مبهج ، ولكنَّ منهم من يمثل إلى جانب ذلك منعطفاً ثقافياً مثيرا، ومن هؤلاء: أحمد الصالح (مسافر)، فليس صوتا شعرياً واحدا، وإنما هو مجموعة أصوات إبداعية وثقافية.
***
يمكن النظر إلى الناحية الشعرية في أحمد الصالح؛ باعتبارها الأشهر والأكثر وضوحا، حيث إنه من أعمدة نهضة الشعر الحديثة في المملكة، وهو معدود ضمن المجددين، ومن جيل الريادة والتأصيل، ويمثل رابطة قوية بين الأجيال، وجاءت مسارات شعره المتنوعة ليكون مشاركا في معظم التجليات الفنية والمضمونية.
وهنا أود أن ألفت الانتباه إلى تجليه عدة مجالات، ولكني أشير إلى مستويين متقابلين، وهما: الرثاء والغزل، فهو فيهما مبرز ومتميز، وله قصائد متعددة تتجه إلى التراكم، وتشكيل وحدة دلالية، فقد رثى الأب والشيخ والأستاذ والصديق والابن، مما يعني وجود منحى رثائي إبداعي أصيل لدى المبدع، وهو ما دفعني إلى كتابة بحث كامل في النظر إلى هذه الزاوية بعنوان: فاتحة البكاء قراءة في رثائيات أحمد الصالح.
وأما الغزل، فإن َّقارئ دواوينه، والمتابع لنتاجه يحسّ أنه أمام شاعر مبدع في شعر الحب والغزل أيضاً، ولذا يسميه سعد البازعي: شاعر المرأة، ويجعله بدوي طبانة في طليعة الشعراء الغزليين العشاق، وقد شكل غزله الشطر الأكبر من شعراه في مطلع حياته كما يرى إبراهيم المطوع، وهو ملمح مهم في قراءة التجربة الشعرية لشعراء التحديث.
***
وهو من الناحية الإنسانية إنسان عذب متفرد الإحساس، وتغمرك أخلاقه ونبله قبل أن يغمرك وجهه النبيل، وحين تتطلع إلى مقامه الرفيع، ودرجته الشعرية العالية، فإنك تتفاجأ أنه أكثر حرصا على التواصل منك عليه، وهنا أتذكر حين أهديته ديواني الأول فأفاجأ به يكتب قصيدة جميلة يتقاطع فيها مع هذه المناسبة، ثم يتفضل بمكاتبتي برسالة نبيلة، ويظل يتابع خطوات الرسالة ليتأكد من وصولها.
وتبعاً لإنسانيته، فقد آثر الصمت الاجتماعي، وإنْ كانت قريحته جزلة لم تنقطع؛ إلا أنه غائب عن مزاحمة الإعلام، ومتابعة التجليات الثقافية المتعددة، وهو ما يفرض مسؤولية ذلك على الإعلام الجاد والمؤسسة الثقافية الرائدة أن تتابع مسيرته، وأن تجتهد في الوصول إليه.
***
أما نحن في النادي الأدبي بالرياض، فقد سعدنا في مجلس إدارة النادي السابق والحالي بالتواصل مع الشاعر الكبير أحمد الصالح، والحصول على مسودة مجموعته الشعرية (الأرض تجمع أشلاءها) التي نحتفي بها، وأقمنا ليلتنا معه تحت عنوان (ليلة أحمد الصالح)، لنقول له: كل أيامك سعيدة، وكل لحظاتك طيبة، وكل قصائدك بيضاء، وذلك أقل ما يمليه علينا الوفاء لقامته وللشعر الذي يمتلئ به، ونحن ممتنون له، ولكلماته.
كانت هذه الليلة مناسبة مبهجة لانطلاقة بيت الشعر في أدبي الرياض من خلال تشكيلته الجديدة التي تضم الشعراء هند المطيري وخالد الغانم وترأس فعالياته الزميلة الشاعرة هدى الدغفق عضو مجلس إدارة النادي، إضافة إلى تطلعنا تدشين مسارات جديدة ينشط إليها بيت الشعر.