في خبر تم تداوله في الصحف والمواقع الإلكترونية حول إيقاف ستة عشر مكتبًا محاسبيًا لمخالفتها أحكام المحاسبين القانونيين، يُعدُّ هذا الإيقاف ظاهرةً صحيةً في مجال تفعيل دور التشريع والمراقبة على شتّى الصعد التي تخدم الشفافية في الاستثمارات، إذ يُعدُّ الجانب المحاسبي المؤشر الأهم في فهم ربحيات الشركات وإيضاح ما يخفي على المساهمين.
وكان من الأولى أن يتوج ذلك الإيقاف بالتشهير وسحب الرخص ومنع مزاولة المهنة ليكون العقاب رادعًا للغير عن المخالفة ومحفزًا لغيرهم للمحافظة على أسمائهم ونجوميتهم، وحتى لا نقع في دوامة التعميم فهناك بعض المكاتب المحاسبية تتسم بالاحترافية العالية والأداء المتميز ولكنها قليلة..
ومع سرعة تزايد حجم الاستثمارات زادت الحاجة للمحاسبين القانونيين، إذ مع زيادة حجم الطلب بدأ ينخفض مستوى الجودة لغالب المحاسبين في ظل غياب الرقابة الصارمة، لذا فمن الواجب تشجيع بناء تلك المكاتب وتأسيسها بضوابط واضحة ومهنية عالية وتكثيف جهود الرقابة والمتابعة بشكلٍ أكبر وتوسيع دائرة التخريج لذلك التخصص لما لحاجة السوق من إعداد كبيرة وبرواتب مغرية.
ولكن المبكي أن يشارك بعض المحاسبين القانونيين في تدمير المنظمات وذلك بسبب ضعف قدرتهم أو لكبر حجم العمل عن قدراتهم والأدهى والأمر أن يكون ذلك التفريط لإرضاء العميل للاستمرار بالعقد أو غيرها من الأسباب غير الأخلاقية، وفي كثير من الأحيان نلوم الإدارة ونغفل عن محاسبة تلك المكاتب التي كانت من أسباب إخفاء تلك المعلومات والحقائق.
ولعل من الأسباب التي انحدرت بمستوى المحاسبين القانونيين تلكم الثقة الزائدة بكثير من المكاتب مما أدى إلى ضعف مستواهم المهني، إضافة إلى اتجاه كثير من المستثمرين إلى الأرخص بغض النظر عن الجودة، إذ يكفيه أن يشتري ميزانية ليقدمها للجهات المسؤولة لإكمال الإجراءات الروتينية فحسب! وهذا ما حدا بكثير من المكاتب لاسترخاص رواتب المحاسبين نتيجة المنافسة على السعر وليس الجودة، كما أن عدم تحديد نطاق العمل للمحاسب القانوني يؤدي في الغالب لضعف إنتاجيته.
وبالرغم من مساهمة تطبيق الحوكمة في الشركات في تخفيف كثير من التلاعب، إلا أن من الواجب أن تتحرك الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين لابتكار تصنيفٍ كتصنيف المقاولين للمكاتب المحاسبية على أن يكون التصنيف مرتبطًا بحجم الشركات ونشاطاتها ومخالفتها ليتسنى للجميع معرفة الأنسب والأصلح منها ليلائم نشاطاته، وليحكم على التقارير الصادرة من طرفهم بكل طمأنينة، كما لا بد أن يكون للهيئة دورٌ فعالٌ أكثر من ما هو قائم بدعم من قبل الدولة عن طريق جهة محايدة للتدقيق على أعمال تلك المكاتب المنتشرة.
خلاصتي: الرقابة المالية هي الأمانة الأكبر لتقييم أوضاع الشركات والاستثمارات فإذا خان الأمين أو فرط في أمانته ولم يجد من يردعه وفقد المستثمرون ثقتهم به فإن الأرقام ستصبح بلا قيمة، ومن هنا إلى أن يحصل المراد لا بد من الاتزان وعدم الإفراط في الثقة بالمحاسب القانوني.
Twitter: @badr_alrajhiwww.badralrajhi.com