قال بنبرة لا تخلو من الحسرة والندم، والبكاء على ما مضى من عمره وهو في الغي والضياع والهلاك: بعد تخرجي من الثانوية العامة طرقت الكثير من الأبواب للحصول علي وظيفة استطيع من خلالها تأمين مستقبلي وابني عش الزوجية ولكن وللأسف لم استطع الحصول علي أي وظيفة حكومية أو أهلية، وحينما أغلقت في وجهي الأبواب قررت ألا اعتمد على أي عمل حكومي أو أهلي، بل أشمر عن ساعدي وأعمل في مهنة لا تمت للعمل الحكومي والأهلي بصله فقررت أن استخرج تصريح سيارة أجرة تاكسي واكسب من عرق جبيني بالفعل وفقني الله في ذلك وعملت على سيارة الأجرة التي كانت تدر عليَّ مالاً وفيراً - ولله الحمد - ورزقني الله زبائن كثيرين من شتّى الأجناس، وصار لي مصدر رزق وفير وكانت حياتي راضية وكنت قنوعًا بها.
وفي أحد الأيام الذي لن أنساه أبداً ركب معي شخص في الأربعين من عمره يبدو من مظهره أنه شخص عدواني ومن أصحاب السوابق، وبالفعل أثناء توصيلي للمشوار الذي يريده دار بيني وبينه حوار ودار حديث عن دخلي اليومي والتعب الذي يواجهني والمشاكل مع الزبائن أثناء دفع الأجرة بالإضافة إلى عودتي للمنزل آخر الليل عرض عليَّ الأربعيني حبوبًا حسب كلامه بأنها تساعدني على العمل لفترات طويلة دون أن أحس بأي تعب أو أي مجهود وهذا يجعلها تساعدني في الحصول على الكثير من المال وبالتالي يزداد دخلي وتتحسن أوضاعي أكثر «حسب زعمه».
وكان الشيطان حاضراً في تلك اللحظة، ويصطحب معه كل أدوات ووسائل الإقناع، وبدا يوسوس لي ويغريني بإمكانية الحصول على دخل كبير وبدون تعب، مما يساعدني على فتح بيت الزوجية وبالفعل تمكن مني الشيطان بقوة واستجبت للرجل - ويا ليتني لم أره في ذلك اليوم - وأخذت أول حبة على أمل استعادة النشاط وزيادة العمل ومضاعفة الدخل، لكني كنت - في واقع الأمر - أخطو أولى الخطوات على طريق الضياع وأسلك مسلكاً لا يقود إليَّ إلا الهلاك والدمار والقتل البطيء، وتعودت على تلك الحبوب دون فائدة، بل وجدتها تأخذني إلى المزيد منها والى ما هو أخطر منها، وليت الحال وقف عند حد أن أتعاطى تلك الحبوب أو غيرها وكفى، بل وصل بي الحال إلى مرحلة الترويج حيث صرت أروج لتلك السموم بواسطة سيارة الأجرة التي كانت تدر دخلاً حلالاً طيباً لأسرتي، لكني دخلت بها في متاهات عجزت معها عن توفير الدخل الذي كنت أوفره سابقاً، بل لم أعد منتظماً في أقساط السيارة، ومع استعمال تلك المخدرات وبدا جسمي في النقصان حتى أصبحت نحيل البنية وفقدت الكثير من أسناني وأصبح منظري يدعو للرحمة والشفقة وبدا الزبائن ينفرون مني بسبب شكلي المريب وتطورت بي الأوضاع في طريق الضياع وحينما لم استطع إكمال قيمة السيارة سحبتها الشركة مني لعدم انتظامي في دفع الأقساط وتبعثرت أحلامي في امتلاك بيت والزواج من امرأة تنجب لي أطفالاً بسبب وقوعي في آفة المخدرات التي لا يسلم من وقع بها فالكثير ممن سلكوا هذا الدرب إما مجنون أو مسجون أو في أعداد الموتى وأنا حالياً أعاني من أعراضها الجانبية غير سقوط أسناني فأنا أحمل فيروس الكبد الوبائي، لأن عالم المخدرات موبوء بجميع أنواع الفساد والإهمال وعدم التفكير في الصحة والمستقبل والأهل فأنا الآن أدركت الحقيقة ولكن بعد أن أضعت الكثير من عمري، ورجعت إلى نقطة البداية، وفقدت صحتي وأسناني وفقدت السيارة، وفقدت كل أحلامي وطموحاتي التي تبخرت مع أولى خطواتي على هذا الطريق المظلم الكالح الكئيب، ولكني رغم ذلك احذر الشباب من الوقوع في هذه الآفة الخطيرة، وعدم تصديق زعم أنها تزيد الطاقة أو تمنحك النشاط أو غير ذلك فهي دمار وهلاك وضياع.