قبل أيام ظهر تقرير السعادة العالمي، الذي احتل السعوديون فيه مراتب متقدمة للشعوب الأكثر سعادة في العالم!. حقيقة لا أدري ما هي الآلية المتبعة لجهة ما لأن تحكم على أمة كاملة بالسعادة.. إذا كان من المستحيل أن تحكم على صديقك أو جارك بالسعادة من عدمها!.
لأن السعادة حسب تعريفها المعتاد بأنها «شعور بالبهجة والاستمتاع بالحياة» شأن شديد الخصوصية، لأن له علاقه مباشرة بالمشاعر, وهي بالطبع أكثر خفاءً من أن يحكم عليها الآخرون.. وبالطبع كل منا يرى السعادة -على الأغلب- في الأمور التي حُرم منها.
من عانى الفقر يتصور أن السعادة ترفرف على بيوت الأثرياء.. ويعتقد المرضى أن الأصحاء هم الأسعد على الإطلاق.. ومن صهرته الغربة يظن أن الباقين في الوطن وفي أحضان الأهل هم في أقصى حالات السعادة.. وهكذا.
من الصعب، بل من المستحيل أن نحكم على آخر بالسعادة من خلال ابتسامته أو مرحه أو زيادة وزنه كما هو متعارف، وخصوصاً نحن معشر النساء.. ومن تابع مسلسل «desperate housewives/ نساء يائسات» سوف يفهم قصدي بالتحديد.
لأن المرأة بارعة في إخفاء تعاستها, وهي مجبرة اجتماعياً على أن تظهر الجوانب السعيدة من حياتها.. لأن كراهية الزوج ونفوره تهمةً لها بالنقص وبالتقصير.. تأخر أبنائها الدراسي تهمة لها بالإهمال, مشاكلها مع أهل الزوج تهمة لها بسوء الأخلاق والمعاملة.. عداء صديقة سيئة تهمة لها بعدم الحنكة والدراية الاجتماعية.. أفصاحها عن إيذاء جارٍ سيئ تهمة لها بالبلادة وعدم القدرة على التعايش.. لذا نحن النساء مثلما نضع المراود والعطور حينما نهم بلقاء الصديقات, نحن نرسم ابتسامة زائفة أيضاً كنوع من الإكسسوار.. وليس بالضرورة لأننا سعيدات, لكن حتى لا تشمت بنا الأخريات أو يكتشفن إخفاقاتنا وفشلنا المزعوم!.. بل إنني سأكشف اليوم أنه -غالباً- أكثر النساء مرحاً هي أكثرهن بؤساً!.. مع مراعاة أن هذه ليست قاعدة وإنما ملاحظة صائبة.
وحتى لا يعتقد أحد أني متناقضة لأني سأكتب يوماً عن المرأة والمتاجرة بالقضايا.. بالطبع هناك حالات خاصة جداً من النساء من هن يعتشن على استدرار عطف المجتمع, وينجحن في ذلك نجاحاً باهراً, لكن تلك حالات خاصة تعتمد على كاريزما المرأة وقدرتها على التأثير على الآخرين ومدى براعتها في حياكة كذبات لا يمكن أن يكتشفها الآخرون عن مدى مظلوميتها.
المهم.. أن السعادة أمر لا يمكن أن يحكم عليه الآخرون؛ وهي شعور داخلي عميق بالرضا والبهجة وقابلية الشخص للاستمتاع بالحياة. وإذا سلّمنا باستحالة الحكم على شخص ما بالسعادة, لأن المظاهر والملامح خادعة على الأغلب.. فما هي الآلية للحكم على الشعوب؟.. هل ارتفاع نسبة مرتادي العيادات النفسية يعتبر مقياساً؟.. أيضاً لا أعتقد لأن مجتمعنا مازال متحفظاً بخصوص الطب النفسي, ويفضل التستر على وجود مريض في البيت على أن يعرضه لطبيب ويخلصه من معاناته. فالمرض أولى من عار الطب النفسي!.
ثم إنني قرأت مرة تقريراً عن علاقة السعادة بالعمر, يقول إن الإنسان يكون أسعد ما يمكن في طفولته ثم تنخفض السعادة بالتدريج حتى تصبح في أقل معدلاتها نهاية الأربعينيات ثم ترتفع في الخمسين فيصل الإنسان إلى قمة السعادة ثم تبداً بالانخفاض من جديد. فإذا كانت السعادة تترواح ما بين الصعود والانخفاض في الحياة الواحدة للفرد فكيف نحكم على شعب كامل بالسعادة؟.. حتى أني أنا شخصياً في مرحلة من مراحل حياتي كنت أحسبني الأتعس على وجه الأرض, وفي مراحل أخرى كنت أظن أن لا أحد أنعم الله عليه بسعادة عميقة وغامرة كسعادتي!.
أريد أن أقول إن السعادة لا يمكن أن تقاس بمعايير ولا يمكن أن ننعت شخصاً ما أنه سعيد في كل محطات حياته, ولا شعب بالسعادة الكاملة الدائمة نعم.. هناك شعوب معروفة بالمَرح, أو اللا مبالاة. أو حب الحياة ومظاهرها, أو شعوب تدرك قيمة الترفيه.. وعموماً يتعبر «الترفيه» من أساسيات الحياة العصرية وهناك أشخاصاً بإمكانهم أن يقتنصون المتعة حتى من أحلك الظروف.. والتفاؤل حتى في الشداد؛ بل إن التفاؤل والتشاؤم صفة يمكن أن تكون غالبة على بيت بأكمله أو شعب بأكمله لكن لا يمكن أن نصف شعب ما بالسعادة!.
وفي الآخر لكل منا أسباباً للسعادة تختلف عن الآخر, ولكنني أعتقد أن أهم الأسباب هو أن تكون أديت واجبك كما ينبغي تجاه ربك ووالديك وأبنائك ومجتمعك. واستطعت أن تنفع الآخرين!. وبالنسبة لي أجد سعادة حقيقية وطويلة مدى في حالتين: حين أحقق هدفاً, وعندما أكون سببا في سعادة الآخرين.. فإذا كنت الآن تبتسم يا قارئي العزيز تأكد أني سعيدة جداً لأجلك.
kowther.ma.arbash@gmail.com