أقف احتراما للأعمال المُثمرة التي تقوم بها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض؛ وأمانتها؛ وللدور الكبير الذي تضطلعان به لخدمة المدينة، وتحسين مرافقها، وتبنيهما مشروعات تأهيلية وتطويرية غاية في الجمال والروعة. قد لا تكون تلك المشروعات مُحققة لجميع رغبات المواطنين وتطلعاتهم، خاصة إذا ما اعتقدنا بارتفاع سقف التطلعات عطفا على الإمكانيات المالية والبشرية المتاحة؛ ومقارنة بالدول الأخرى، إلا أنها تبقى الأفضل من وجهة نظر خاصة، مقارنة بعمل الآخرين محليا. التركيز على تنمية البيئة الحاضنة، وتطويرها، وتأهيل المناطق الخطرة بيئيا، والاستفادة منها بما يخدم المدينة وسكانها والزائرين، يصنف ضمن الأعمال الإبداعية الجميلة.
كنا نتندر على تسمية النُزل السياحية في صحراء الرياض بـ(شاليهات)، على أساس ارتباط (الشاليهات) بالبحر والساحل؛ وكنا نعتقد أن خلق البحيرات المائية وتغذيتها بمياه الخليج أو البحر الأحمر ضربا من الخيال؛ وتناسينا أن الأفكار الخلاقة تبدأ من تصور خيالي يتحول مع الجهد والعمل والفكر إلى مشروع يتم تنفيذه على أرض الواقع؛ وهذا ما حدث في مشروعي «سد وادي نمار» و»سد وادي لبن» وقبلهما «وادي حنيفة»؛ فريق العمل في الهيئة العليا لتطوير الرياض، والأمانة نجح بامتياز في تحويل بعض الأفكار الخلاقة إلى واقع ملموس، وأبدع في تحويل جزء من بيئة الرياض الصحراوية، إلى خليط من البيئة البحرية والصحراوية، دون تحمل أعباء (نقل مياه البحر إلى الصحراء). «كورنيش وادي نمار» والبحيرات الرائعة، والمتنزهات العامة تطرح سؤالا مهما لم أجد جوابا له حتى الآن وهو: «كيف نجحت مدينة الصحراء في الحصول على البحيرات المائية المفتوحة، والكورنيش الجميل في الوقت الذي حُرمت منه مدينة يُحيط بها البحر من جانبين؟». التصحر لم يعد حكرا على اليابسة، بل امتد ليصل البحار وهذا ما حدث في مدينة الجبيل بعد ردم البحر، وحرمان أهلها من أجمل الشواطئ على الخليج العربي، ثم تمادى الإهمال إلى أن تحول ما تبقى من الشواطئ الرملية التي يفترض أن تكون ملكا للدولة، وحقا مشاعا للمواطنين إلى ملكيات خاصة تحول بعضها إلى مجمعات سكنية يستمتع الأجانب فيها بالساحل الرملي ويُحرم منها المواطن البسيط!
في مدينة الرياض هناك من يعمل لمصلحة المدينة وسكانها، ويقاتل من أجل إحداث التغيير البيئي لإدخال البهجة والسرور على السكان، ولإضفاء صورة جمالية رائعة على المدينة المُكتظة بالسكان، والخاضعة للظروف البيئية القاسية. انسجام فريق العمل، والتعاون المثمر بين إمارة المنطقة، الهيئة، والأمانة؛ وقبل ذلك وجود القيادة المُنفتحة، والحريصة على تطوير المدينة وإحداث نقلة نوعية في خدماتها ومرافقها، برغم الظروف والاكتظاظ، هو المسؤول عن نجاح المشروعات البيئية والتطويرية في المدينة، وهو المسؤول عن بعض المشروعات الطموحة التي يُعتقد بتنفيذها خلال الأعوام القادمة.
ما حدث في الرياض، يمكن استنساخه في مدن المنطقة الشرقية، وبخاصة المدن المطلة على الساحل. لا يمكن أن نبخس أمانة الدمام حقها، ونغيب أعمالها الجميلة، إلا أن المنجزات التطويرية ما زالت أقل بكثير من المأمول؛ ولعلي أركز على مدينة الجبيل التي فقدت سواحلها، وحرمت من شواطئها الجميلة، وافتقدت للحدائق العامة التي تحولت إلى أراض استثمارية تجارية، وتعرضت للتشويه بمشروعات رديئة أضرت بالسكان، وبجمال المدينة، وما زالت حتى اليوم تبحث عن حقها المشروع في المساواة؛ خدميا وتطويريا؛ مع مدينة الجبيل الصناعية.
لن أطيل؛ فما أكتبه اليوم لا يعدو أن يكون أنينا قد لا يصل إلى آذان المسؤولين، وينتهي بمرور اليوم، وصدور العدد الجديد من جريدة «الجزيرة»، ولكن قطعا لن ينتهي من قلوب المواطنين المخلصين الذين يتمنون أن تحتل مدينتهم طليعة المدن في خدماتها، ومرافقها، وجمالها.
أختم بتقديم جزيل الشكر لكل من ساهم في تطوير مدينة الرياض وعلى رأسهم الأمير سلمان بن عبدالعزيز؛ وزير الدفاع؛ والأمير سطام بن عبدالعزيز؛ أمير منطقة الرياض؛ ونائبه؛ والأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف، وفريق العمل، وأطالب أمانات المدن الأخرى باقتباس نماذج النجاح، وتطبيقها لتعم الفائدة جميع مدن المملكة.
f.albuainain@hotmail.com