في هذا الزمن أصبح كل شيء قابلاً للاختطاف والتزوير حتى دين الإسلام؛ وهذا بالمناسبة من إفرازات الصحوة التي يقولون إنها (مباركة)!
بالله عليكم هل كان أحدٌ سيصدق قبل عقدين أو ثلاثة فقط، وفي بدايات ما يسمّى بالصحوة، لو أنّ أحداً توقّع أن يأتي إسلامويون حركيون ويُمارسون جهاراً نهاراً أساليب (عصابات المافيا)، ويتّبعونها حذو القذة بالقذة، ثم يدّعون أن هذه الممارسات ضرب من ضروب الجهاد وإعلاء كلمة الله؟.. هذا تماماً ما اقترفته منظمة (القاعدة) عندما (اختطفت) دبلوماسياً سعودياً في اليمن، وهدّدت بقتله إن لم تُفرج السلطات السعودية عن بعض المعتقلين في قضايا أمنية، تماماً كما يفعل اللصوص وقطّاع الطرق وعصابات المافيا.
هم يعرفون يقيناً أنّ حكومة المملكة لن ترضخ لمثل هذا الابتزاز مهما كان الثمن، غير أنهم أرادوا في تقديري من هذه الممارسة القميئة والمنحطة والقذرة والتي لا تمت للإنسانية ناهيك عن الإسلام بصلة، أن يعودوا إلى الأضواء، وأن يُثبتوا أنهم لا ينسون أعضاءهم، وسيتلمّسون أية طريقة، بغضّ النظر عن خسّتها وحقارتها، أو نجاحها من عدمه، لإثبات حضورهم. وهناك من ذهب إلى أنهم تعمّدوا التصعيد بهذا الشكل لأنّ هناك أنباءً بدأت تتداول في الأوساط السعودية تتحدث عن تفكير القمة في العفو عن بعض الموقوفين، وعندما يُصعّدون ويُمارسون مثل هذا الابتزاز، فسوف تصرف الحكومة النظر بتاتاً عن مثل هذا الاتجاه، لتظل قضيتهم حاضرة، ويبقى المعتقلون في السجون ؛ فهم - حسب هذا التحليل - يتاجرون بالموقوفين ، ويتخذون منهم ورقة للتصعيد لأهداف محض سياسية، وهذا ما يجب أن يتنبّه إليه ذوو الموقوفين.
وأياً كان الأمر فإنّ ما وصلنا إليه من هؤلاء المتأسلمين الأنذال يشير بوضوح إلى مدى فداحة الظلم الذي ألحق جوراً وظلماً بالإسلام وتعاليمه، فهل يُعقل أن يتحوّل هذا الدين، وما جاء به الرسول الذي ما أرسله الله إلاّ رحمة للعالمين، إلى عصابات مافيا، تخطف، وتهدد، وتبتز، وتقتل، ثم تضع كل هذا الانحطاط والخسّة والقذارة تحت اسم دين الإسلام؟..
أعرف يقيناً أنّ هناك من مرضى القلوب من سيجدون لهم عذراً مثلما وجدوا لقتل الأنفس المعصومة عذراً في الماضي، وفبركوا الأدلة، ولفوا وداروا، وخرجوا بجواز مثل هذه الجرائم الحمقاء. وليس لديّ أدنى شك أنّ مشعل الشدوخي، مفاوض القاعدة هذا، يُدرك ذلك تمام الإدراك، ويقرأ قوله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ، غير أنه لا يُبالي لا بقرآن ولا بسنّة ولا بقول سلف، وإلا إذا لم تنطبق هذه الآية الواضحة الصريحة على فعلتهم الشنيعة هذه - إن هم نفّذوها - فعلى من تراها تنطبق؟.. غير أنّ الإسلام والآيات وقول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وأقوال السلف الصالح لا يعدل عند هؤلاء القتلة المجرمين جناح بعوضة نسأل الله العافية؛ فالأحقاد والفكر الطائش والعقد النفسية والأيديولوجيات المشوّهة إذا سيطرت على ذهن الإنسان، وتحكّمت فيه، تصبح هي التي توجِّهه، فتراه ينتقي من الأدلة ما يشاء، ويترك من الأدلة ما يشاء، وهو بذلك - اعترف أو لم يعترف - يُمارس فعلياً (الذرائعية) في أقبح وأخس صورها، فالغاية لدى هؤلاء الأفّاكين الفجرة تبرر الوسيلة، حتى وإن كانت الوسيلة قتل نفس حرّم الله قتلها؛ وإلا ما ذنب (الخالدي) بالله عليكم إن هم قتلوه؟
ثم ما رأي القبيلة اليمنية التي تأوي هؤلاء القتلة المجرمين؟.. هل من الشرف العربي وقيم الفروسية، وخُلق المروءة والنُّبل، حتى في الجاهلية قبل أن يرسل الله رسوله بدين الحق، يرضى العربي، ناهيك عن المسلم، بمثل هذه الجريمة الوضيعة النكراء التي يندى لها جبين كل عربي حر كريم؟
وختاماً أقول وأكرر إنّ الإنسان إذا لم يحكمه دين، ولا تحكمه ضوابط ولا قيم ولا أخلاق ولا مبادئ يتحوّل إلى (مصّاص دماء) كما في الحكايا الفلكلورية الغربية، أما في بلادنا فيتحوّل إلى (قاعدي)؛ وهذا وذاك هما في التصنيف النهائي والنتيجة لا يختلفان.
إلى اللقاء..