أشرت في المقال السابق إلى أهمية مراجعة نظام مجلس التعليم العالي والجامعات الذي صدر عام 1414هـ - 1994م، وذلك بعد الأزمة التي نشأت في جامعة الملك خالد وامتدت إلى بعض الجامعات البعيدة جغرافياً والمختلفة أكاديمياً.. وذكرت ضرورة العودة إلى تفعيل المجلس الأعلى للتعليم برئاسة الملك - حفظه الله - ووزير التعليم العالي نائباًَ له، بحيث يضم المجلس في عضويته جميع الجهات التعليمية: وزارة التعليم العالي, والجامعات, ووزارة التربية والتعليم, ومؤسسة التدريب الفني, والجهات ذات العلاقة..
فالحاجة أصبحت ضرورية إلى نظام جديد للتعليم العالي - مجلس التعليم العالي والجامعات - لأسباب ذكرتها في المقال الأول ولأسباب أخرى هي:
أولاً: تنظيمية وإدارية, صدر نظام مجلس التعليم العالي والجامعات عام 1414هـ/1994م وتنص المادة الرابعة عشرة من النظام على التالي: مجلس التعليم العالي: يتألف مجلس التعليم العالي على الوجه التالي:
رئيس مجلس الوزراء رئيس اللجنة العليا لسياسة التعليم - رئيساً
وزير التعليم العالي - نائباً للرئيس
وزارة المعارف
وزارة المالية والاقتصاد الوطني
وزير العمل والشؤون الاجتماعية
وزارة التخطيط
رئيس الديوان العام للخدمة المدنية
الرئيس العام لتعليم البنات
مديرو الجامعات
ومنذ عام 1414هـ، أي ما يقارب 20 عاماً، تغيّرت مسمّيات ومهام الوزارات الممثلة لمجلس التعليم العالي, فوزارة المعارف أصبحت وزارة التربية والتعليم، ووزارة المالية والاقتصاد الوطني أصبحت وزارة المالية فقط. ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية أصبحت وزارتان العمل والشؤون الاجتماعية ، ووزارة التخطيط أضيف لها الاقتصاد لتصبح وزارة الاقتصاد والتخطيط، والديوان العام للخدمة المدنية أصبحت وزارة الخدمة المدنية، والرئيس العام لتعليم البنات ألغي منصبه ودمجت رئاسة البنات بوزارة التربية والتعليم.
ثانياً: التغيُّرات الحضارية, فقد حدثت تغييرات مهنية وبيروقراطية على أعضاء مجلس التعليم العالي والوزارات: جرت تغييرات على قطاعات الدولة نتيجة التحولات التي شهدتها بلادنا بعد التنمية الاقتصادية والعمرانية والمعرفية الثانية التي قادها الملك عبد الله, فالوزارة الواحدة انقسمت إلى وزارتين, وقطاعا التعليم اندمجا في وزارة, والاقتصاد انضم إلى التخطيط, والديوان تحوّل إلى وزارة، وبالتالي اختلفت بعض الموازين والتأثيرات المهنية والثقافية.
ثالثاً: الظرف السياسي، تمت صياغة نظام التعليم العالي في ظرف سياسي صعب، حيث كانت المملكة تمر بمرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية تحرير الكويت وشاركت المملكة في التحرير, كما أن القوات الغربية قريبة من حدودنا الشمالية في خط الحدود العراقية والكويتية, فكان الظرف السياسي في تلك الفترة يتطلب صياغة حذرة وحماية اجتماعية نتيجة لتواجد القوات الغربية على تخوم حدودنا والهيجان والغليان بالخليج والمنطقة بسبب ما أثاره صدام حسين رئيس العراق السابق الذي لم يسقط نظامه إلاّ عام 2003م، فتطلّب الأمر صياغة نظام ولوائح تقيد بعض الشراكات والصلات العلمية ومشاركة الباحثين، والتعاون والشراكة العلمية مع بعض الجامعات.
رابعاً: الظرف الاقتصادي, كانت المملكة تمر في عام 1414هـ في ظرف اقتصادي خانق بعد انتهاء حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت بسبب تبعات الحرب التي فرضت مثل هذه النظم المقيدة مادياً. والتي تحد من المصروفات بعد أن دخلنا بما يعرف بشد الحزام، حيث اضطرت المملكة أن تتبع سياسات اقتصادية وتقشف مالي لتجاوز هذه المرحلة، لذا جاءت مواد النظام المالية بصورة تقشفية على البحث العلمي والتعيينات والبدلات والصرف إجمالاً على الجامعات، وهي لا تتناسب مع المرحلة الحالية التي امتازت بتدفُّق عوائد النفط المالية والاستقرار الاقتصادي للمملكة ...
... يتبع