فاتتني الحلقة الثانية من برنامج «Arabs got talent».

لكن ما أثير على هامشها من تعليقات في الشبكات الاجتماعية أثار فضولي ودفعني لأن أعوضها عبر الإنترنت.

الهجمة الساخرة كانت مكثفة ولاذعة لردة فعل الفنان ناصر القصبي على رقصة المشاركة المغربية «وداد سيري». والذي استخدمها بعض المشاهدين السعوديين كمادة كوميديا عبر الشبكات الاجتماعية!.

وفي الحقيقة لم تثر استغرابي حمى السخرية تلك, لأن خبر انضمام القصبي للتحكيم في البرنامج, على قدر ما أسعد الكثير على قدر ما كان محاطاً بالتهديدات من البعض بهجمة شرسة. هؤلاء كانوا متأهبين لأي سكنة أو حركة لتكون الشرارة التي تشعل نار الفكاهة الموقدة.

وفي الحقيقة ما دفعني للكتابة بعيد كل البعد عن البرنامج والمواهب، والقصبي والرقص الهندي!.

ما دفعني لمشاهدة الحلقة ومن ثم الكتابة هنا هو ما أثير عن جمال «وداد» الذي أذهل الجمهور داخل وخارج الإستوديو, والقصبي والرجل الجالس وراءه!.

ولأني مشغولة منذ بداية الوعي لديّ بمصدر الجمال والجاذبية لدى الإنسان. الأمر الذي أصابني بعادة التحديق في الوجوه, ووضعني في مواقف محرجة غالباً.

رسمتُ صورة لـ»وداد سيري» حسب معرفتي بمقاييس الجمال العربية المعروفة والمتوارثة.. بياض البشرة مع إشراقها, طول القامة, سواد الشعر, دقة الملامح والأنف, صغر الشفاه, واتساع العينين وحورهما.

لكنها خالفت توقعاتي, فهي: سمراء, قصيرة, غليظة الملامح. ولكن رغم ذلك هناك جمال واضح أَسرَ الجميع.

عالمياً.. شهد الوعي ارتفاعاً هائلاً لسقف الجمال, الذي كان حكراً على صفات محددة, ونفى ما عداها من دائرة الحُسن على مدى قرون.

لأنه ليست الشعوب العربية وحدها التي لديها مأثوراً ثابتاً لمقاييس الجمال. الغرب أيضاً يحصرون الجمال في طول القامة الفارع والساقين. اليابانيون يفضلون الأقدام الصغيرة ويتم اختيار عروس المستقبل عن طريق فحص أقدام الفتيات. بعض الأفارقة يحرصون على طول الرقبة للحد الذي كانوا يضعون على أعناق المولودات أطواقا من الحديد تعمل على إطالة الرقبة, ويزيدون عدد الأطواق كلما كبرت الفتاة.

لكن الحداثة التي فرضت رؤاها على الأدب والحياة, طالت الذائقة العالمية وفتحت باباً واسعاً لمن كُنّ في الخارج لقرون. الأمر الذي وهب «سلمى حايك, شاكيرا, وبريتني سبيرس» مكاناً في عرش الجمال الغربي الذي يمجدّ طول القامة, وهن من القصيرات اللاتي لا تتجاوز أطوالهن 156 سم!.

وصنّفَ «جون ترافلتا» الممثل الأمريكي ذو العينين الصغيرتين والأنف العريض كأجمل وجه في أمريكا.

وتفوز الأنغولية «ليلى لوبيز» الفتاة سمراء البشرة بلقب ملكة جمال الكون. بعدما كانت البشرة الداكنة سبباً للإقصاء ليس من دائرة الجمال وحسب!.

لكن العرب تأخروا كثيراً عن ركوب موجة الحداثة تلك.. وبقيت مواصفات الجمال ثابتة إلى وقت قريب. لولا بعض البوادر التي تنبئ بتطور بطيء في الذائقة العربية وبالتحديد السعودية.

و»وداد سيري» كانت إحدى تلك البوادر.

فقد استطاعت ببشرتها السمراء وخصرها الممتلئ وملامحها الفطرية البعيدة عن مشارط الجراحين. أن تسحر الجميع.. لتثبت أن الجمال مثل الدفء تشعر به ولا تتمكن من القبض عليه!.

قد يكمن في نظرة عين غامضة, أو ابتسامة ساحرة.. أو ربما يختبئ خلف الملامح مثل مفعول سحري يذهلنا ويصعب علينا اكتشافه.

ذلك السحر الذي وزعه الله على الجميع بمقادير متباينة. وكل ما علينا اكتشافه. «ليس ثمة امرأة قبيحة» هكذا قال الرسّام العالمي فنسنت فان غوخ.