تعلَّمت أنا وبنات جيلي، إلى أن تخرجنا من الجامعة، أن لا نرفع عيوننا في وجه الأستاذة، تقديرًا واحترامًا لمكانتها العلمية والتربوية. تلك الأيام لم يكن لدينا جامعات أهلية، التي فرحنا بها وهللنا بافتتاحها بوصفها إضافة تنموية تقوم على الاستثمار في الإنسان قبل الاستثمار المادي، ويُبنى الأول على التربية والفكر والثقافة؛ لأن المرحلة الجامعية (مفصلية) في حياة كل منا، والانتقال إلى مرحلة الرشد والتمييز والمسؤولية والاستقلالية.
ما يصلني من أخبار عبر عدد من الطالبات الدارسات في الجامعات الأهلية أجدها أخباراً لا تسر، من خلال سرد الكثير من المواقف المؤلمة لطالبات مع أساتذتهن، لم أرَ أو أسمع بحدوثها من قبل في جامعات حكومية؛ ما يُنبئ بوجود فكر خاطئ لدى تلك الفتيات، وصل إليهن بسبب خلل في التربية، وهو أن الطالبة طالما تدرس في جامعة تدفع لها رسومًا مادية فإن هذا يعني أنها اشترت بأموالها الجامعة والأستاذات، وهذا يُعطيها الحق بالتلفظ على الأستاذة والتقليل من شأنها، وخصوصًا أن معظم أستاذات الجامعات الأهلية من جنسيات عربية، وهذا في أعراف المختلين تربويًا يجيز لهم حق سيادة فوق السيادة! أضف إلى هذا أن سمعتنا التي نحرص عليها، ونخاف خدشها من أبسط الأمور، ستؤثر فيها هذه التصرفات، التي تُعطي شكلاً يبني عليه أشقاؤنا العرب صورة سلبية عن مجتمعنا!
المؤلم أكثر في هذه القضية أن إدارات (بعض) الجامعات الأهلية تتجاوب مع الطالبة على وزن (الزبون دائمًا على حق)، وفي حكاية ليست ببعيدة، بل حدثت قبل أيام، تروي لي طالبة مقربة مني عن موقف شاهدته، تجاوزت فيه زميلتها على أستاذتها، تروي لي تلك الفتاة القصة وهي تتألم؛ لأنها رأت أستاذتها التي تحترمها وفي سن أكبر من والدتها “تُهان” من زميلتها التي تهدد الأستاذة بوالدها (المسؤول)، ولا أدري هل هذا يجيز لها أن تتعدى على القوانين؟! والمؤلم أكثر أن تتضاعف إهانة الأستاذة حينما تنتصر الإدارة للطالبة، ويكون موقف صاحب الحق هو الأضعف!
بعض الجامعات الأهلية التي فرحنا بوجودها لتحمل جزءًا من العبء المتراكم على الحكومية، وتفتح فرص التعليم أمام غير القادرين على الدراسة في الجامعات الحكومية، صارت - للأسف - مجرد “دكاكين” ترفع يافطة (المال أولاً)، بدليل أن بعضاً منها قد يحرم الطالبة أو الطالب من الدراسة ويلغي الجدول إن مضى الأسبوع الأول دون دفع الرسوم، ولا يحق للدارس الدخول إلى أول محاضرة قبل الدفع، مع أن هناك طرقًا حضارية أخرى تستطيع بها الجامعات ضمان حقها المادي، غير هذه التصرفات.
إن هذه السلوكيات “السلبية” تفرض على وزارة التعليم العالي إيجاد “ميثاق أخلاقي”، يحدد الأخلاقيات التي ينبغي أن تقوم عليها العلاقة بين الطالبة أو الطالب والأستاذ الجامعي، وهذا الميثاق قد يردم الفجوة التربوية التي أخفق فيها البيت والمدرسة؛ فغير (المتربي) يجب أن تُهذبه القوانين رغمًا عنه! لأن الدور المناط بالجامعات يُفترض أن يقوم على قاعدة التأسيس الفكري للإنسان الذي من يجب أن يدخل الجامعة، وقد تجاوز مرحلة التأسيس التربوي، ولنا أن نتصور تلك الطالبة التي أوردتها في المثال أعلاه، أو غيرها، وقد تخرجوا من الجامعة، فأي أخلاقيات سيسيرون بها تجاه سوق العمل ونهضة هذا الوطن؟ وأي تربية سيتلقاها جيل جديد ستنجبه تلك البنت؟
كثيرة هي الأسئلة المبعثرة في ذهني تجاه تلك السلوكيات، والأجوبة - بلا شك - لدى وزارة التعليم العالي، التي تحمل على عاتقها الدور الرقابي على هذه الجامعات، وحتى لا نخرج بتجربة تعليم أهلي دون المستوى المأمول!
www.salmogren.net