|
كتب - محمد المنيف:
احتفى التشكيليون خلال الأيام الماضية بافتتاح وتدشين أحدث قاعة عرض للفنون التشكيلية في الرياض بعد فترة طويلة من الانتظار للجديد في هذا الجانب الهام لدعم الساحة والارتقاء بذائقة الجمهور والتعريف بالفن التشكيلي بشكل دقيق ومنظم، وكان لحضور صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبد المحسن وتشريفه تدشين القاعة الأثر الجميل كون الأمير بدر قريباً جداً من الفن التشكيلي وممارساً له ومبدعاً فيه بشاعرية وهندسة الشعر التي اشتهر بها.
بيئة لا مكان للفنون فيها
قد يعتب على المجتمع في الرياض على وجه الخصوص، لكنني أتحدث من واقع تجربة فمحيطنا ما زال يرى الفنون عامة فعلاً ترفيهياً لا حاجة للفرد به ولا هدف منه ومنها الفنون التشكيلية ولذلك لم تعش أو تستمر صالات عرض كثيرة بعد افتتاحها في الرياض ولا تحظى بقية القاعات الرسمية بأي تواصل من الجمهور بعد اليوم الاول من افتتاح أي معرض يقام فيها، هذا التجاهل يعود بنا إلى الكثير من الاسباب من اهمها ما علق في ذاكرة عامة المجتمع الذي تلقى تعليماً ولو لمراحل متقدمة كالابتدائية والمتوسطة بأنها فنون (عبثية) لعدم إعطائها حقها من الاهتمام في مادة التربية الفنية بتطوير مفهوم المادة في المجتمع كثقافة جمالية يتحقق بها تذوق الفنون، فأصبح يراها الطالب أو التلميذ وقتاً مستقطعاً للتسلية والراحة لم تستطع هذه المادة أن تحقق أحد أهدافها وهو الارتقاء بذائقة الفرد ولو تحقق ذلك لكسبت صالات العرض للفنون التشكيلية أعداداً كثيرة من الجمهور ولأصبحت منازلنا مزينة باللوحات.
تجارب فتح صالات عرض الفنون
ورغم هذا الجفاف والجفوة والتجاهل من قبل المجتمع الا ان هناك محاولات في فتح صالات عرض جديدة يُعد الكثير منها مغامرة البعض منها انتهى بالإقفال والبعض ما زال يتلمس طريقه، وقبل ان نستعرض بعضاً من اسباب الفشل أو الاقفال يمكن لنا استعراض اسماء بعض الصالات دون تفصيل أو توثيق لئلا تضيق المساحة، ونعد ان نقدم دراسة مستفيضة بالارقام والتواريخ في مقال آخر، يجب ان نعرج قليلاً على بداية انطلاقة الفن التشكيلي وحاجته لمثل هذه المواقع والمساحات والأماكن فقد تم عرض اول معرض للفنون التشكيلية نظمته المديرية العامة لرعاية الشباب التي تحوَّلت بعد ذلك إلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وأُقيم في في المكتبة العامة بشارع الوزير عام 1389هـ بمسماه وبتنظيمه الحقيقي بعيداً عن ما عُرف من معارض للتربية الفنية تقام في المعاهد أو المدارس.
هذا التحول من المعارض التابعة للتعليم إلى المعارض التشكيلية الفردية والجماعية للفنانين انطلاقاً كما اشرنا إليه في المعرض الاول في نهاية الستينيات الميلادية وابتداء السبعينيات التي كانت تعد الفترة الذهبية للفن التشكيلي السعودي حيث انتشرت المعارض في كل من الرياض وجدة والمنطقة الشرقية، أصبحت ثقافة هذه المعارض لدى التشكيليين تشمل كيفية إقامتها ومتطلبات العرض من تجهيزات منها حوامل اللوحات أو ما يطلق عليه (الاستاندات) التي يعلق عليها اللوحات في المواقع غير المهيأة للعرض ومنها صالات الفنادق وهي الصالات التي أتت بعد صالة المكتبة العامة في ذلك الوقت حيث أخذ التشكيليين من السعوديين أو المقيمين قاعات الفنادق مكان للعرض وكان من أبرز تلك الفنادق فندق اليمامة وفندق زهرة الشرق تبع ذلك فندق قصر الرياض والإنتر كونتننتال.
قاعات قطاع خاص
مرت فترة ليست قصيرة واجه فيها التشكيليون الكثير من صعوبة العرض بعد ان وجدوا شروطا مكلفة من الفنادق فبدأت بوادر انشاء الصالات الخاصة تظهر للعيان ، فاحدث هذا التحول كثيرا من التفكير من قبل بعض التشكيليين أو مَنْ يرون أن بالإمكان استثمار الفنون في المجال الاقتصادي حيث برز العديد من القاعات والجاليرات يمكن لنا ان نستعرضها على النحو التالي مع إيجاز في المعلومات ونبدأها بالصالات التي أنشأها رجال أعمال منها، صالة شذى وتُعد من أقدم الصالات وتقوم ببيع لوحات المستشرقين والفنانين العالميين أسسها رجل من فينسيا عام 1983م يدعى باولو بورغي، تلا ذلك مركز سهوب العالمي للفنون الجميلة عام 1994م عرض فيه لنخبة معروفة من الفنانين الفرنسيين كتبت مقدمة إصداره الخاص السيدة بيتريس دي لا بيريير رئيسة تحرير مجلة ارت اكتويل باريس، كما ان هناك جاليري اسسه الراحل محمد السعيد في أسواق نجود بالرياض ، وجاليري البعد الثالث في العقارية، (جميعها أُقفلت لعدم جدواها التجارية)، أما صالة (لا فولي)، وصالة الشرقية اضافة إلى الصالة الجديدة (المشكاة) للشاعر عبد اللطيف آل الشيخ ما زالت تعمل، لكن مع اختلاف مستوى النشاط سنتطرق لها في سياق الموضوع.
قاعات بإدارة فنانين تشكيليين
أما الصالات التي أسسها ويديرها فنانون تشكيليون فمنها، الصالة العالمية للفنون 1980م 1400هـ، محمد السليم وتُعد الأشهر حيث أسهم بها في خدمة الساحة وتقديم المعارض والمسابقات وحظيت بنجاح كبير إلا أن ظروف الراحل السليم وتراكم الديون له الأثر على إقفالها, كذلك افتتح الفنان صالح القعيط صالة تساقط المطر كانت متخصصة لأعماله الفنية، وافتتح الفنان عثمان الخزيم صالة لبيع اللوحات السعودية في فندق الإنتركونتننتال وكلاهما لعرض أعمال محدودة وليست لإقامة المعارض، كا هي في صالة عهود النجراني في الخزامى مع صغر مساحتها إلا انها ساهمت بالكثير في اقامة المعارض وبانتقاء، اضافة إلى صالة الخزمي للفنون التي أدارها الفنان محمد فارع وكانت نشطة رغم ضيق المكان، صالة لحظ للأميرة نوف بنت بندر أقامت فيها عدداً من المعارض لم يكن الاختيار في بعضها موفقاً (هذه القاعات أُقفلت جميعها للأسباب ذاتها المتعلقة بالجدوى التجارية)، أما الصالات المتبقية فمنها صالة الفن النقي التي أسستها الأميرة أضواء بنت يزيد وتُعد من أبرز الصالات من حيث التجهيزات والمساحة لكن شروط العرض خصوصاً قضية المبالغ المطلوبة مقابل العرض تُعد خاصة قد يكون الهدف منها أن تكون متميزة بمستوى ما يُعرض فيها، وجاليري حوار للفنانة شذى الطاسان أسهمت بعدد من المعارض تنوعت فيها الأسماء وجمعت في بعضها فنانين عرباً وخليجيين لكنها غائبة لمدة لا تقل عن عام حتى الآن.
القليل يحاول البقاء
إذا عُدنا لما ذكرناه من أسماء الصالات لوجدنا أن الكثير منها قد أُقفل نتيجة اليأس من نجاحها مقارنة بما يترتب عليها من تبعات مادية كأجور المكان وتهيئته بسُبل العرض من إضاءة وتكييف وحراسة وإعلانات ورواتب عاملين إلى آخر المنظومة في محيط لا يعير الفنون التشكيلية أي اهتمام وإن وجد الاهتمام فإن مصير الأسعار إلى المفاصلة والتقليل من قيمة اللوحة مادياً ومعنوياً.. وقد تسببت تلك التبعات بالكثير من الديون على أفراد من الفناين دخلوا هذه المغامرة وتراكمت عليهم الديون.. ومع ذلك ومع ما أبقته تلك التجارب من العضة وشعور بالخوف من نتائجها في حال دخولها مرة أخرى، فقد برز عدد من الصالات ما زالت تحاول تجاوز الكثير من المراحل لعل وعسى أن يكون المجتمع قد ارتقى بذائقته واصبح يعي قيمة اللوحة التشكيلية أو المنحوتة ويعدها ثروة وطنية.
أسباب فشل القاعات..
هناك من أسباب توقف قاعات أو صالات عرض الفنون التشكيلية ما يظهر على السطح وأخرى تبقى في حدود سرية التجربة فمن الأمور التي يواجهها الفنانون مقابل تشدد إدارات تلك الصالات، المغالاة في أسعار العرض إما برفع النسبة المقتطعة من بيع اللوحات بدلاً عن الإيجار أو دفع إيجار مبالغٍ فيه يحمّل الفنان ما لا يطيق وهناك الكثير من المواقف الموثقة لخسارة فنانين ما زالوا يسددون ما ترتب على معارضهم، كذلك قيام مديري بعض الصالات باقتناء أعمال بأسعار متواضعة مقابل العرض وبيعها بأسعار أغلى للمقتنين، أما أهم القضايا فهي في قيام بعض الصالات بطباعة صور اللوحات المعروضة فيها دون علم أصحابها وتسويقها في مشاريع تجميل المؤسسات والفنادق وقد فوجيء الكثير من الفنانين بصور أعمالهم في مواقع عدة. (هذا الأمر لا يعمم بقدر ما هي حالات شاذة في قاعة إدارات الصالات).
وإذا ذكرنا بعضاً من الإشكاليات التي يواجهها التشكيليون فإن للصالات أيضاً مشاكلها التي تتحملها منها عدم وجود مقتنين بحجم ما يقدم للمعرض من خدمات إضافة إلى ذلك تشدد بعض الفنانين ومبالغتهم في أسعار لوحاتهم مما يبعد المقتني، أما الأمر الأكثر سوءاً وتقع فيه بعض الصالات فهو في قبول أي معرض أو مجموعة رغم تدني مستوى ما تعرضه، لملء فراغ الصالة وعدم توقفها.. وهذا ما أساء للصالة وللساحة، تتحمّل فيه إدارة الساحة الذنب في تشويش الذائقة والتسبب في تدنيها عن المجتمع.