لفت نظري خبر مفاده أن السيد أنطونيو منفريد، مدير متحف «كاسوريا أقدم المتاحف للفن المعاصر جنوب إيطاليا يقوم بإحراق ثلاث لوحات كل أسبوع من مقتنيات متحفه معلنًا الحرب والاحتجاج على الدعم الهزيل للفن والثقافة في بلده بسبب تأثرها بالأزمة الاقتصادية، وأطلق على هذه الحركة الاحتجاجية اسم «حرب ضد الفن»، ويوجه مدير المعرض أصابع الاتهام للسياسيين والعصابات المنظمة بابتزاز الفنانين ومنظمي المعارض الفنية.
وكانت لوحة «النزهة» التي تبلغ قيمتها حوالي 10 آلاف يورو للفنانة الفرنسية سفرين بورغيغون. أول ضحايا حربه والتي وافقت الفنانة على إحراق عملها شريطة أن تتمكن من متابعة العملية مباشرة عن طريق الإنترنت.. وقال أنطونيو إن عملية حرق الأعمال الفنية جاءت بعد أن استنفد كل الوسائل للحصول على دعم وزارة الثقافة لصيانة متحفه، بعد ان تضرر القطاع الثقافي في إيطاليا بسبب مخلفات الأزمة الاقتصادية وسياسات التقشف التي بدأ البلد في اتباعها. وتبلغ نسبة دعم الثقافة في إيطاليا 0.21 بالمائة من ميزانية الدولة. وبدأت عدة معارض تبحث عن ممولين من القطاع الخاص أو رجال أعمال يودون شراء تلك المعارض، ملوحا برغبته اللجوء إلى ألمانيا باعتبارها كما يقول البلد الوحيد الذي لم يقلص ميزانية دعم الأنشطة الثقافية حتى في عز الأزمة الاقتصادية..
وعبر عدد من الفنانين الإيطاليين عن حسرتهم على الخطورة التي أقدم عليها أنطونيو منفريد، موجهين نداء إلى الغيورين على الفن للتدخل لإيقاف «حرب الفن» والحفاظ على الموروث الفني لإيطاليا.
انتهى الخبر وعدت إلى واقعي محاولاً إعادة ترتيب أوراق واقعنا التشكيلي الذي لم يكن يوماً من الأيام أفضل مما يعيشه السيد انطوني بل إن حاله أكثر تدنياً وتراجعاً قبل أن يقف على قدميه، فلا مؤسسات خاصة تدعم ولا ميزانية رسمية لجمعية التشكيليين التي علق عليها الفنانون الآمال.
بعد هذه المقاربة في قضية الدعم تبادر إلى ذهني فكرة الاحتجاج لكنني أجدها صعبة ومؤلمة أن يرى الفنان أعماله وهي تحرق، لهذا فالفنانون هنا يتحملون حرقة التقصير في دعمهم على أن يحرقوا لوحاتهم أو يرموا منحوتاتهم في البحر كما رماها محمود مختار في نهر النيل أو أن تدفن في الصحراء.
إنها المأساة بعينها ومثال خطير يقوده صاحب أقدم متحف في إيطاليا بلد الفن وتاريخ الفنون ورواده وإشارة أخطر قد تصيب الكثير بالخوف أو تزيد يأس من لا زالوا يبحثون عن موقع قدم لفنهم في محيطهم الذي يفتقر للثقافة الجمالية ويفتقد البصيرة في أن هذه الأعمال إرث حضاري فأصبح الفنان في هذا المحيط مستجدياً الإعجاب مؤملاً في أن يتكرم البعض باقتناء أعماله لعل في مثل هذا التوجه رفعاً للمعنويات قبل الكسب المادي.
لكن ما حاولت إقناع نفسي به واعتباره عزاء يريح القلب ويهدئ الروع أن غالبية فنانينا وقاعات العرض لدينا لا يبتعدون كثيراً في جانب الطموح أو الكسب المادي أكثر من حدود البحث عن سبل الشهرة والإعلام فكثير من الفنانين يرون أن البديل عن إحراق لوحاته إهداؤها لمن يحب أو ملء غرف منزله بها مكتفياً بما كسبه من خبر إعلامياً ونشوة مشاهدة الحضور في أول يوم من افتتاح معرضه (رغم غياب الجميع بقية الأيام) عوضاً عما يواجه الفن من كساد في الفهم والتجاهل.
واختم بموقف لشخصي مع صاحب مؤسسة كبيرة في القطاع الخاص وقت عملي مديراً لمركز الأمير فيصل بن فهد للفنون عندما عرضت عليه فكرة أن تتبنى مؤسسته برنامجاً فنياً على مدار عام يحمل اسم المؤسسة ويخدم شريحة كبيرة من التشكيليين يتضمن دورات في تعليم الفنون ومعارض لفنانين رواد وآخرين من الجيل الجديد، فكانت إجابته بسؤال.. وماذا ستستفيد المؤسسة من فكرتك..؟؟. دمتم ودام الفن محارباً من أجل البقاء.
monif@hotmail.com