بارسيان ينانك *:
ماذا يقول الفرنسيون لنا؟
«دعونا لا نخلط بين اعتراضنا على دخولكم الاتحاد الأوروبي وبين العلاقات الثنائية، ودعونا نواصل تحسين العلاقات على المستوى الثنائي» في إشارة إلى اعتراض فرنسا على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. لكن ماذا نقول نحن للفرنسيين؟ «مادمتم تواصلون استهداف أحد أهم محاور سياستنا الخارجية فلن نتعامل معكم بصورة طبيعية».
ماذا يقول الإيرانيون لنا؟ «إذا استهدفتم حليفتنا سوريا وكذلك حليفتنا بغداد، فلن نسمح لكم بالحصول على المكانة المرموقة التي توفرها لكم استضافة المحادثات الدولية بشأن برنامجنا النووي».
ماذا نقول للإيرانيين؟ «حسنا، لا يهم إذا كنتم تؤيدون رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي يغذي الصراع الطائفي في العراق، ولا يهم إذا كنتم تدعمون الرئيس السوري بشار الأسد رغم أننا نريد الإطاحة به. دعونا نتفق على آلا نتفق ثم نواصل العمل معا بصورة طبيعية على المستوى الثنائي.
«العمل بصورة طبيعية» هو أن تدعم تركيا البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل دون شروط. ولماذا علينا توسيع هذا التأييد؟ لان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قال لنا إن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامينئي أبلغه أن أسلحة الدمار الشامل محرمة دينيا وضد الإسلام.
ولكن عندما اقترحت إيران عقد جولة جديدة من المحادثات النووية في العراق أو سوريا فإن أردوغان انتقد طهران لإثارة هذه القضية واتهم نظام الحكم الإيراني بافتقاد النزاهة والأمانة. من الصعب تصور وجود منطق في تصريحات رئيس الوزراء التركي المتناقضة التي جاءت خلال أسبوع واحد. فإذا كانت طهران لا تحاول الحصول على سلاح نووي لآن هذا السلاح محرم شرعا، فلماذا يصرون على هذه القضية الصعبة؟ من المفهوم تماما القول إن تركيا لها مصلحة إستراتيجية في التوصل إلى اتفاق لتسوية الملف النووي بين إيران والدول الغربية لتفادي مواجهة عسكرية سيكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة بأكملها.
ولكن من الصعب الآن قراءة المغزى الاستراتيجي وراء الخطاب الحماسي للحكومة التركية حيث تبدو وكأن هناك نمط آخر من القواعد الإرشادية لحزب العدالة والتنمية الحاكم. دعونا نواجه الحقيقة. السياسة الإيرانية تقوم على أساس ما تعتقده طهران محققاً لمصالحها الإستراتيجية. وطالما أن السياسات التركية تخلو من أي رؤية إستراتيجية للشأن الإيراني فإن أردوغان سوف يجد نفسه دائما محبطا من إيران. كما يشعر بالإحباط من الرئيس السوري الأسد الذي كان «أخاه» في وقت من الأوقات. وطالما ظل أحمد داوود أوغلو وزيراً لخارجية تركيا، على أردوغان أن يعد نفسه لمزيد من الاحباطات. في 4 أبريل الحالي وفي مؤتمر صحفي مع نظيره البلجيكي قال أوغلو إن العنصر الجوهري في السياسة الخارجية التركية هو المبادئ والقيمة التي تعطيها تركيا للحياة الإنسانية وليس المصالح الإستراتجية.
وللأسف فإن القول إن السياسة الخارجية لتركيا لا تقوم على أساس المصالح الإستراتجية يأتي من الرجل الذي ألف كتابا بعنوان «العمق الاستراتجي» وهو ما يمكن أن يكلف تركيا خسائر إستراتيجية. كيف يمكن لتركيا التطلع لتحقيق نتيجة مرجوة في بيئة عالمية وإقليمية يبحث كل لاعبيها الرئيسيين عن مصالحهم الإستراتجية.
إن أي سياسة خارجية يفترض أنها تقوم على أساس مبادئ حسن النوايا لا تكفي لإقناع الأسد بوقف العنف. دعونا نأمل ألا يؤدي «العمق الاستراتجي» لداوود أوغلو إلى «عمى استراتيجي» بالنسبة لإيران.
* (حريات) التركية