الكشف عن الموهوبين والتعرف عليهم أسهل بكثير من صناعة المواهب القادرة على الإبداع والابتكار، فالأولى تعتمد على مقاييس مقننة واختبارات تضمن لمجتازيها الدخول في عالم الموهوبين، أما الثانية فهي مجموعة عمليات أكثر صعوبة وتعقيدا لاعتمادها على متغيرات تتشكل من معلم لابد أن يكون موهوبا، وبرنامج إثرائي يلبي احتياجات الطلاب، ورعاية مستمرة تبدأ من المرحلة الابتدائية إلى نهاية المرحلة الثانوية وحتى الجامعية، وتتداخل مع تلك المتغيرات أمور طارئة لا يمكن التكهن أو التنبؤ بها بعضها يرتبط بأحجام الموهوب عن الاستمرار أو الدور السلبي للأسرة في التعامل مع الموهوب أو قصور المؤسسات المعنية بالرعاية ومحدودية ما تقدمه من فرص.
المرحلة الحالية لصناعة المواهب المبدعة في المملكة العربية السعودية بدخول مؤسسة الملك عبدالعزيز للموهبة والإبداع “موهبة” في شراكة مع وزارة التربية والتعليم والمركز الوطني للقياس والتقويم “قياس” فرضت واقعا جديدا يستدعي العمل المتناغم مع المؤسستين الوطنيتين الرائدتين بتقوية البنى التحتية في المناطق التعليمية، وتأهيل وتدريب المعلمين وتجويد البرامج الاثرائية، واختيار القيادات الأكفاء على الإدارة وتخطيط العمل كي تستطيع الإدارات التعليمية تنفيذ أضخم مشروعين في المملكة لاكتشاف الموهوبين عبر البرنامج الوطني للتعرف على الموهوبين والذي ينفذه المركز الوطني للقياس والتقويم، وصناعة الموهوبين عبر الأولمبياد الوطني للإبداع والذي تنفذه مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع.
وعلى مدى يومين من الأسبوع الماضي شهدت مدينة جدة اللقاء المتماثل السابع لقادة الموهوبين في وزارة التربية والتعليم والمناطق التعليمية للبنين والبنات، وقد ركز اللقاء على محاور أخذت في اعتبارها المستجدات الطارئة على ساحة العمل، والرؤى المستقبلية وإدخال التقنيات الجديدة في التعليم والتدريب وتأهيل المعلمين وتطوير أدائهم وإتقان بناء برامج رعاية الموهوبين وتجويد الأداء، وجاءت أوراق العمل لتدعو لتطوير التدريب وتوفير الرعاية النفسية والاجتماعية للطالب الموهوب وتوفير البنية التحتية التي تمكن هذه النوعية المميزة من الطلاب والطالبات من إثراء معلوماتهم واكتساب مهارات جديدة ببرامج إثرائية مجودة يصممها معلمون محترفون وينفذونها بإيقاع مرتفع ومتنامي يعتمد على تفجير طاقات الموهوبين وشحذ تفكيرهم لإنتاج أفكار إبداعية، والحصول على نوعية نادرة من المعلمين يجتهد قادة الميدان في اختيارهم وتأهيلهم وتدريبهم.
هذا اللقاء جاء لتلمس خارطة الطريق للعبور إلى عوالم أكثر جودة وأداء على مستوى القيادات والمعلمين، ومحاولة النهوض بالبيئة الحاضنة للموهوبين، وهي مهمة ليست مستحيلة لكنها بالتأكيد صعبة تحتاج لإمكانات ضخمة وجهود مضاعفة وعمل مستمر، وضخ ميزانيات كبيرة ستكون استثمارا مضمونا للوطن بصناعة مبدعين لطلاب عاديين لأن صناعة الطالب المبدع عملية نوعية فريدة، بينما صناعة الطالب العادي لا تحتاج لكثير من الجهد، والطلاب المبدعون يشكلون إضافة تستفيد منهم البرامج التنموية كمخترعين ومبتكرين كل في مجاله.
صناعة الإبداع عملية طويلة تبدأ مع وقع الخطوات الأولي للطلاب في المرحلة الابتدائية، وتستلزم برامج ومسابقات نوعية، وتحتاج لميزانيات ضخمة، وأجزم بأن معالي نائب وزير التربية والتعليم الدكتور خالد السبتي والذي يمسك بيديه دفة قيادة صناعة المواهب المبدعة في مؤسستين شريكتين يضع في اعتباره هذه المسلمة فدون ضخ ميزانيات كافية لن تتمكن إدارات الموهوبين والموهوبات من تجويد صناعتها.
shlash2010@hotmail.comتويتر abdulrahman_15