سعدت كثيراً بزيارة المكاتب الأنيقة للهيئة العامة للسياحة والآثار في الحي الدبلوماسي بالرياض بدعوة كريمة من أحد القياديين في هذه الهيئة الرائدة، وسرّني في الزيارة الثانية للهيئة، والأولى في المبنى الجديد أن أبناء هذه البلاد من موظفي الحكومة قادرون على تقديم نموذج إداري مثالي، وخلق بيئة عمل راقية لا تقل في جودتها عن الشركات الكبرى في القطاع الخاص.
في نفس الأسبوع الذي زرت فيه الهيئة المثالية، زرت قطاعاً حكومياً خدمياً، تفوق مسؤولياته الإدارية والخدمية هيئة السياحة بمراحل، إلا أنه يعاني من سوء التنظيم إدارياً إضافة إلى أجواء ملوثة تحيط المكان وعشوائية في الإنشاءات والتقسيمات المكتبية، وتخلف تقاني مخجل، وشبح الكائن البيروقراطي المتضخم يسكن المكاتب.
ما الفرق بين القطاعين؟ وكلاهما ينتميان إلى الجسد الحكومي، ولهما اعتمادات مالية كبيرة من ميزانية الدولة!
قطاع السياحة والآثار تأسس حديثاً واعتمد آليات وأنظمة عمل عصرية، تراعي الموظف الذي تختاره بعناية قبل توظيفه، وتهتم بتأهيله وتدريبه ورعاية مواهبة والإفادة منها، بينما القطاع الحكومي الآخر، تأسس في الستينات ولم يتطور، ويعتبر غالبية صغار الموظفين والقيادات الوسطى وظائفهم مجرد ضمان اجتماعي!
هذه حقيقة، فلا يوجد انتماء للوظيفة العامة، وأضيفت حالة الإحباط الوظيفي إلى حالة السكون الإداري، والناتج شلل رباعي أقعد المؤسسة الحكومية التقليدية الخدمية، وجعلها بالكاد تنهي العمل اليومي المناط بها من دون دافع للتغيير والتطوير.
في بلادنا تنجح الشركات الكبرى المنتمية للحكومة مالياً بإنجاز ما لا تحلم بإنجازه أي جهة حكومية تقليدية، كما تبرع المؤسسات والقطاعات الحكومية المتحررة من نظام الخدمة المدنية في أعمالها، وتدار هذه الهيئات والمؤسسات بأسلوب عصري، وتوفر لموظفيها أسباب الإبداع والتميز.
ما يعني أن نظام الخدمة المدنية يحتاج إلى إعادة نظر، وكذلك الأنظمة والتشريعات المتعلقة بالعمل الحكومي، تحتاج إلى تطوير وعصرنة، وهذا الوقت المناسب لتعديل أوضاع المؤسسات الحكومية لتسييرها باتجاه طموحات وآمال القيادة العليا، والمواطن الذي يستحق الأفضل في كل شيء، مستفيدين من تجارب هيئة السياحة ومركز المعلومات الوطني والهيئة الملكية للجبيل وينبع وغيرها الكثير من النماذج الرائعة.
سمعنا منذ 2008 عن مركز قياس الأداء الحكومي، وتأسيسه كان خبراً مفرحاً وجعل لعربة التطوير الإداري إطارات تمكنها من السير، لكن تفاجأنا للأسف بأن العربة معطلة!
فالمركز الذي يرتبط بمدير معهد الإدارة العامة لم يتحرك إلى الأمام في تقييم الأداء الحكومي وكشف القصور أمام كبار المسؤولين والجمهور، والذي أعرفه أن المركز سيرتبط في المرحلة الثانية بحسب خطة تأسيسه برئيس مجلس الوزراء مباشرة، ليكون تقويم الأداء تحت نظر خادم الحرمين الشريفين مباشرة، وباعتقادي أن هذه الخطوة مهمة للغاية وأن المرحلة الثانية آن الأوان لتنفيذها بعد كل هذه السنوات والعقبات التي واجهت المركز، وتفاعل الأجهزة الحكومية الضعيف مع طلباته.
الموظف الحكومي يحتاج فقط للرعاية والتطوير، وسيبدع من أجل وطنه، فالحماس موجود لدى الشباب عند بداية عملهم في القطاع الحكومي، ويقتله غالباً تعالي بعض المسؤولين، والفساد والشلل الإداري الذي سببه تضخم الكائن البيروقراطي.
عن قرب: قال الرئيس الأميريكي السادس والعشرين والمصلح الاقتصادي الذي عُرف بطموحاته الكبرى ثيودور روزفلت :”افعل ما تستطيع، مستخدما كل ما تملك أينما كنت”.
Towa55@hotmail.com@altowayan