فيما نشرته صحف الأمس من تصريح لوزارة التعليم العالي, بأنّ عدد المبتعثين في 26 دولة من دول العالم من أبناء الوطن قد بلغ 143 ألفَ طالب، في مختلف التخصصات، والغالبية في مراحل العمر المقتبلة..
تفكّرت ملياً، في أنهم بلاشك سوف يكتسبون إلى جانب الخبرات المعرفية المتقدمة، مهارات اللغات، والأساليب الحديثة، والمتطورة في المكتسبات من المحتويات المعرفية، والخبرات المعينة، والمهارات الأدائية، وأساليب التفكير، والبحث، وإدراك القياس، والتجريب، والابتكار، والمقارنة، والتعبير عن الذات، والثقة في النفس، وفي مقدراتها، وإمكاناتها، بل سيكتسبون دافعية التطوير لذواتهم، حيث يكونون كقائد المركبة في الطريق الطويل بمفرده، لا من يعينه غير ذاته، أو كالقبطان في عرض البحر، وحده من يسير سفينته.., وما تؤتي به هذه الاستقلالية، والاعتماد الذاتي على الذات.. .
وقد كانت فكرة السفر للدراسة من الأحلام التي ما إن تتحقق لأحد إلاّ يصبح مدار دهشة، ودعاء واعتزاز.., وفرح... حين كانت الدراسة تعني التعلُّم والاكتساب، دون المساس بخصوصية ما، ويتحمّل كل فرد حصاده الخاص دون أن تكون هناك خطط لتغريبه، أو تغييره..!
إلاّ أنني تفكّرت ملياً أيضاً في جوانب أخرى..
فهم إلى جانب كل هذه الحسنات... سوف يمتعون كثيراً بعدد الأيام التي يعيشونها في هذه البيئات بحرية شخصية، ما بذلت الملحقيات في ملاحظتها، أو متابعاتها فإنها لن تستطيع أن تؤثر فيهم تأثير المخالطة، والاندماج البالغ، والنافذ لأذهانهم، وسلوكهم، بل في تشكيل قناعاتهم، بما ينتقل إليهم في تلك البيئات مما هو فيها.., ومما يعترضهم..، ولم يكن في المقابل تأسيسهم الأساس متيناً يمكنهم من التعارض مع سالبه، أو لم تكن تنشئتهم الدينية مبنية على قواعد مكينة، تحمي فيهم مكنونهم من المؤثرات المخلّة بقوامه..
إذ إن المقارنة بين ما تقدمه لهم قبل بلوغهم مرحلة الابتعاث لمواصلة التعليم، جميع مناهج الدراسة، والتعليم في مختلف مراحلها التأسيسية، وما تشكله فيهم مجالس الآباء الوالدية في البيوت إلى جانبها، وأساليب التربية، والتنشئة الأولى, سواء من مضامين معرفية, وخبرات تعليمية مؤسسة في المدارس, ونماذج قدوة مؤثرة في سلوك يقتدى به، أو معرفة يتمكنون منها في البيوت، والمجتمع, فإنها ستتبيّن بأنّ كل ما يتلقّونه منهما غير كافٍ، ولا يمكّنهم كل التمكين من الصمود أمام ما يتلقّونه، ويعيشونه، ويتفاعلون معه، ويحتكون به، ويقعون فيه من مؤثرات حادمة، متنوّعة..
لذا يضطرون لأن يتماشوا في تلك البيئات مع الكثير مما لا ينبغي أن يفعلوه..,
أولاً : فتلك البيئات ليست تمت للدين الإسلامي بصلة، ناهيك عن تضادها السافر معه، وضغوطها المركزة على أفراده، تلك التي تبدّت جلية بتداعيات أحداث مختلفة، بدرت من أناس ينتمون إلى الإسلام، والعروبة ولكنهم لا يمثلونه، وثانياً : لأنه لم يعد خافياً ما تتجه إليه السياسة الدولية في أغراضها العامة، والخاصة في الشأن المتعلّق بإنسان العالم العربي، والإسلامي...
وقد بات جلياً بعد تلك الأحداث أنها العتبة التي قفزت بها تلك الدول نحو أغراضها، فجعلت تتعامل بحذر مع المسلمين, وتضيق عليهم ممارسة سلوكهم التلقائي في مظهرهم، أو عباداتهم، بل تشدّدت مع أخطائهم الطفيفة حين يجهلون أنظمتها..
وهذا لم يكن يحدث إبان البعثات الدراسية من جميع أنحاء العالم الإسلامي, والعربي في تجاربها الأولى, وإلى ما قبل أحداث 11سبتمر، ومخططات العولمة, وهجمتها الاندماجية، وحركات تعدّدية الأديان، وحريات الأفراد.. التي لحقت بالفكر، والدين..!!
الأمر الذي يجعل المسلم وبالأخص الشاب في مقتبل العمر، والخبرة، والتكوين، يحرص على اتقائهم, بالتحلل من كثير مما ألفه, واعتاده، ولم يتمكن فيه، من سلوك يرتبط بأحكام شرعية، أو ضوابط آدابه مظهراً.. وفي هذا ما يسهل له التهاون بما لم يستقر مكيناً في مخبره الذي يفترض أن يكون فيه دينه آمناً من كل تأثير مخالف..
تداعت لي هذه الهموم، حين طفرت لعيني أعداد المبتعثين، 143 ألف مبتعث..
يا للزمن الرحيب..، والفرص الرحبة.. والطموحات الكبيرة..
وتخايلت بكل ذلك...,
مع شجون الخوف، والرجاء..
فالدعاء أن يحقق الله فيهم الآمال، بأن يعودوا بالمكتسبات النافعة...,
وأن يبقوا أولئك المسلمين الذين لا يتهاونون في دينهم,.. ولا يتجاوزونه..
أن يصبحوا قرّة أعين ليس لآبائهم.. وأمهاتهم.. فقط
بل للوطن..
لهذا المنتجع قبلة الإسلام.. ومهده..
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855