السلطة القضائية هي أحد الأركان الرئيسة في منظومة إدارة الحكم في كل دولة، إلى جانب السلطتين: التشريعية والتنفيذية.
ويُفترض أن تعمل هذه السلطات الثلاثة معًا على مباشرة إدارة شؤون الدولة، بما يكفل تحقيق قواعد العدل والمساواة، والأمن والاستقرار، وسيادة الممارسة السياسية والتشريعية المناسبة، وديمومة البناء والتطوير في كل مسارات وتنظيمات وأركان الدولة، وتحديثها خلال الزمن.
دون ذلك، قد يدخل المجتمع والدولة في إشكالات دستورية، وأزمات سياسية، تؤثر سلبًا على معطيات الاستقرار، وبرامج التنمية، وقد تزداد حدة هذه الأزمات، في مرحلة معينة، تدخل معها الدولة فيما يعرف في القاموس السياسي بمرحلة الدولة الفاشلة.
في المملكة العربية السعودية، تمَّ التنصيص على هذه السلطات في النظام الأساسي للحكم الصادر في عام 1412هـ، وتحديدًا في المادة (44) منه، وقد جاء فيها «تتكون السلطات في الدولة من السلطة القضائية، السلطة التنفيذية، السلطة التنظيمية - التشريعية - وتتعاون هذه السلطات في أداء وظائفها، وفقًا لهذا النظام وغيره من الأنظمة، والملك هو مرجع هذه السلطات».
إذن مبدأ الفصل بين السلطات -على الأقل نظريًا- أمرٌ محسوم في دستور الدولة، ومنها بطبيعة الحال السلطة القضائية. وقد جاءت المادة (46) من النظام نفسه للتأكيد على ذلك، والتنصيص على أن «القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية» كما جاءت المادة الأولى من نظام القضاء الصادر في عام 1428هـ بنحو ذلك، وإن كان بصيغة أخرى، فنصَّت على أن «القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم، لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، وليس لأحد التدخل في القضاء».
وتتمحور أدوات التقاضي الرئيسة في المملكة في المحاكم الشرعية بكل أنواعها ودرجاتها، وتختص بالفصل في جميع القضايا والمنازعات والجرائم، وفق قواعد اختصاص المحاكم المبينة في نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية. وذلك باستثناء القضايا أو الدعاوى المتعلقة بالحقوق المقررة في نظم الخدمة المدنية والعسكرية والتقاعد لموظفي ومستخدمي الحكومة والأجهزة ذوات الشخصية المعنوية العامة المستقلة أو ورثتهم والمستحقين عنهم، فتتولى النظر فيها محاكم ديوان المظالم، وهي هيئة قضاء إداري مستقلة.
بما يخص المحاكم الشرعية، وآليات عملها، والإشراف عليها، فقد تمَّ التنصيص على ذلك، في نظام القضاء في كل مواده لـ»85». إضافة إلى كل ما يتعلق بإدارة ومهام السلطة القضائية على وجه العموم. ومن أبرز العناصر التي اعتنى بها هذا النظام المهم:
- المجلس الأعلى للقضاء، واختصاصاته، وعدد أعضائه، وتنظيم شؤونه الإدارية والمالية.
- ترتيب وتصنيف المحاكم إلى ثلاثة مستويات
المستوى الأول: المحكمة العليا.
المستوى الثاني: محاكم الاستئناف.
المستوى الثالث: محاكم الدرجة الأولى وتشمل خمس فئات هي حصرًا: المحاكم العامة، والمحاكم الجزئية، ومحاكم الأحوال الشخصية، والمحاكم التجارية، والمحاكم العمالية.
- تعيين القضاة، وترقيتهم، ونقلهم، وندبهم، وإجازاتهم، وواجباتهم، والتفتيش عليهم، وتأديبهم، وانتهاء خدماتهم.
- كتابات العدل واختصاصاتها.
- وزارة العدل واختصاصاتها، ومنها: الإشراف الإداري والمالي على المحاكم وكتابات العدل.
إضافة إلى هذه الحزمة من الأنظمة لتفعيل أداء السلطة القضائية، هناك حراك إيجابي لجهة تعزيز مرافق القضاء، وتطوير كفاءة العاملين، والأخذ بالعلوم الإدارية والتقنية الحديثة.
على أيّة حال هذه المعطيات الإيجابية لا تمنع من القول بكل مصداقية وشفافية بعدم كفاية هذا الحراك، والحاجة الفعلية لمزيد من الخطوات الإصلاحية والتطويرية لمعالجة كل الإشكالات التي تعرقل مهام تيسير سُبُل التقاضي.
من أبرز هذه الإشكالات: التأخير في الفصل أو البتِّ في القضايا المعروضة أمام المحاكم، بدرجات زمنية متفاوتة، قد يصل في أحيان معينة إلى فترات انتظار طويلة نسبيًا، وهي مثار شكوى دائمة من أصحاب القضايا، لما لها من تأثيرات سلبية على حياتهم وأعمالهم، جرَّاء أوقاتهم المهدرة لمتابعة قضاياهم داخل دهاليز المحاكم. بما قد يدفع البعض منهم إلى إجراء تسويات مع خصومهم، للخلاص من الأعباء النفسية والمادية بفعل مارثون المحاكم، والتضحية بالتالي بجزءٍ من حقوقهم ومصالحهم.
من الأسباب الرئيسة لظهور هذه الإشكالية المزمنة واستمرارها خلال الزمن، النقص الكبير في عدد القضاة، إذ يبلغ عددهم حاليًا نحو (1500) قاضٍ ونيف. وهو عددٌ غير كافٍ بالقطع، في مقابل الزيادات المطِّردة في الطلب على الخدمات القضائية. بما يتطلب الأمر التعجيل في إنجاز برامج وسياسات تحفيزية تعالج هذه الإشكالية المزمنة التي تؤرق أصحاب القضايا والمصالح والحقوق.
في هذا السياق حملت الأسابيع القليلة الماضية بعض المؤشرات الإيجابية، لجهة معالجة أوسع وأشمل لكل الإشكالات التي تحول دون قيام الجهاز القضائي بدوره على الوجه الأكفأ.
في مقدمة هذه المؤشرات: المبادرات التي وعد بها معالي وزير العدل رئيس مجلس القضاء الأعلى، للنهوض بالمنظومة القضائية، وتحقيق نقلات نوعية، وصفها بالتاريخية، في مجال القضاء والتدريب القضائي. ومنها كذلك: تكليفه برئاسة مجلس القضاء الأعلى إلى جانب وزارة العدل، بما قد يتيح المزيد من المرونة لجهة تحقيق هذه الأهداف والنقلات النوعية في أسرع وقتٍ ممكن.
قد يكون من المفيد التركيز خلال المرحلة المقبلة، بشفافية أكبر ووضوحٍ أكثر على العناية بجملة من السياسات والإجراءات لتعزيز كفاءة المنظومة القضائية، لجهة مباشرة إنجاز حقوق الناس ومصالحهم، ومحاسبة مرتكبي المخالفات والجرائم، وفق أفضل معايير الأداء الممكنة. ومن أبرز هذه السياسات والإجراءات:
1 - استقطاب المزيد من القضاة وكتَّاب الضبط، والمسجلين، والقوى العاملة الأخرى المساندة، لمقابلة الطلب المتزايد على مختلف الخدمات القضائية.
2 - العمل على تعزيز القدرات الإدارية والتقنية للمنظومة القضائية، وتطوير وتبسيط الإجراءات وأساليب العمل.
3 - توفير المزيد من المرافق والمباني ذوات المواصفات الملائمة للخدمات القضائية، وتطويرها، وبسط المحاكم العامة والمتخصصة في كل مناطق المملكة، وفق معايير حجم وعدد القضايا، التي تتحكم فيها بطبيعة الحال عناصر: النمو السكاني، والتطور الاقتصادي والاجتماعي، وكفاءة البيئة المؤسسية والتنظيمية وغيرها.
4 - العناية بتنفيذ توصيات خطة التنمية الخمسية التاسعة للدولة 31-1432- 35-1436هـ (2010-2014م) بضرورة توفير الإمكانات المادية والإدارية والبشرية المطلوبة التي تُمكِّن السلطة القضائية من تحقيق مهماتها على الوجه المطلوب.
كلمة أخيرة:
أنظمة: القضاء، وديوان المظالم، والإجراءات الجزائية، والمرافعات الشرعية، والمحاماة، خطوات تأسيسية مهمة لتيسير الإجراءات القضائية، لتواكب التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة وتلبية متطلباتها. والإسراع في البتِّ في قضايا الناس المعروضة أمام المحاكم الشرعية والمتخصصة أحد أبرز أدوات تيسير الإجراءات القضائية وتبسيطها.
حكمة:
يمكنك إنجاز بعض المهام بمجرد تغيير طريقة تفكيرك في إنجازها.
majed1149@gmail.comتويتر@majed_jalal