إذا القينا نظرة عامة على سجل المشاهير والعظماء الذين ذاع صيتهم وعرفت أسماؤهم في الجهات الأربع، نجد أن معظمهم قد مروا بأيام عصيبة ولكنهم تغلبوا على ذلك بثقتهم في أنفسهم.
قيل لماري كوري يوماً: لقد أجريت مائة تجربة دون جدوى، كلها كانت فاشلة ولم توصلك إلى نتيجة ومع ذلك فإنك لا زلت تصرين على الاستمرار في تجاربك، ألا يكفيك ما وصلت إليه من خيبة أمل؟ فقالت: إن ما تقولوه صحيح بالنسبة إليكم ولكن بالنسبة إلي فإنه خطوة الألف ميل الأولى في الوصول إلى الهدف وتحقيق النجاح، نعم أجريت مائة تجربة فاشلة ولكنني تعلمت مائة طريق خطأ لن أعود للمرور بها واستمرت في مسعاها لاكتشاف المعدن الذي وضعته هدفاً أمام عينيها، وبعد فترة وجيزة نزلت إلى القبو الذي كانت تجري تجاربها فيه وصاحت فرحة بأعلى صوتها (الحمد لله)، لقد نجحت في اكتشاف ما كنت أسعى إليه، لقد حققت هدفي وكان ذلك المعدن الذي اكتشفته هو معدن اليورانيوم، وبهذا فقد أعطتنا مثالاً رائعاً على الثقة التي تؤهل الإنسان للنجاح. ومن بين هذه الأسماء تشرشل الذي انتصر في الحرب العالمية الثانية والذي تضمنت سيرته الذاتية أنه قد ذهب وهو شاب ليلتحق في الجندية فرفضته اللجنة لقصره ولكنه عاود الكرة ورفضته مرة ثانية ولكنه نجح أخيراً وتم قبوله في الجندية وترقى في المرتبة حتى وصل إلى أن يكون صاحب الكلمة الفصل في الانتصار على ألمانيا وحلفائها.
وهناك قصة جميلة تروى عن رجل أعمال بلغ خمسين سنة حيث يقول إنه عندما كان في الثانية والعشرين من العمر يبدأ عملاً تجارياً ولكنه فشل فيه وقرّر أن يغير مساره التجاري ويجرّب حظه في السياسة فرشّح نفسه للانتخابات التي تعطيه مقعداً في مجلس الولاية ولكنه ظنّه قد خاب وخسر المحاولة فرجع إلى التجارة ثانية ولكن الفشل لازمه ورجع إلى الميدان السياسي وقد حالفه الحظ في هذه المرة وفاز في مقعد في انتخابات المجلس النيابي للولاية ولكن التعاسة طرقت بابه مرة ثانية ولم تستمر سعادته طويلاً إذ حلت عليه مصيبة كبيرة لأن الفتاة التي أحبها قد توفيت ولكن مع ذلك قرر ألا يستسلم.
هل تعرف من هو؟ إنه أبراهام لنكن الذي يعتبر من أعظم الرؤساء الذين حكموا أمريكا، ورغم مرارة الهزائم التي رافقت حياته بالجملة دون أن تفسح له المجال لنسيانها، فقد كانت عزيمته أقوى من كل النكبات التي مرت عليه، فقد منح نفسه الثقة بقدرته على النجاح، وكانت تلك الثقة النبع الذي لا ينضب والحصن الحصين الذي تمترس به فحقق في النهاية طموحه الكبير الذي تمثل في خدمة بلده وأبناء دولته.
وفي قائمة العظماء يبرز لنا ألبرت اينشتاين المعروف في جميع أنحاء المعمورة، هل تعرف أنه كان متخلفاً في الدراسة وقالت له المدرسة إن تحصيله في الرياضيات كان متدنياً جداً لدرجة أن أستاذه قال له ذات يوم: إنك ستموت دون أن تفهم مادة الرياضيات، وعندما كان في الخامسة عشرة من العمر ترك المدرسة لكنه عاود الكرة وتابع دراسته. ونحن نعرف إنجازاته في الرياضيات، تلك الإنجازات التي لا تزال تدرس في الجامعات حتى اليوم.
القائمة طويلة وفيها توماس أديسون الذي نشأ في عائلة عادية واجهتها مشاكل الحياة اليومية وكانت حياته مليئة بالأسى والحزن والفقر ومع ذلك حقق إنجازات علمية وسجّل باسمه العشرات من الاختراعات التي لا تزال البشرية تنعم بفوائدها ومنافعها.
جميع هؤلاء وآخرون عديدون لاحقهم الفشل في العديد من المرات ووقفت العقبات في وجوههم ولولا أنهم تمتعوا بثقة في أنفسهم لما تمكنوا من الوصول إلى نهايات سعيدة.
ويحضرني في هذا المقام قول أرسطو: (ينبغي لكل إنسان أن يكون لديه رضى وطمأنينة وإيمان بالله وإلا فإن أي شيء يوقفه ويعرقل سيره - طبيعي أن يغضب الإنسان، فإن ذلك أمر سهل ولكن الشخص الذي يغضب، يجب أن يغضب من الشخص المناسب وبالدرجة المناسبة وفي الوقت المناسب وبالدرجة المناسبة وفي الوقت المناسب ومن أجل الهدف المناسب وبالطريقة المناسبة، فإن هذا الأمر ليس أمراً سهلاً.
وقد أعجبني قول ماري كوري: (إن الله قد خصّ كل إنسان بميزة ينفرد بها عن غيره تمكنه من إنجاز أعمال مهمة وعليه أن يكتشف تلك الميزة ويستخدمها فقط، لذلك على الإنسان ألا يهتم بآراء الآخرين عنه، لأن هناك أناس قد كرسوا حياتهم للتفتيش عن عيوب الآخرين وهنا نقول لو أن ما سبق ذكرهم قد استمعوا إلى آراء مدرسيهم لفشلوا - الإنسان ميزه الله وجعله مخلوقاً فريداً من نوعه ويكفي القول إن بصمة الإنسان في يده وعينه وصوته لا يمكن أن يشبه مع بصمات أي إنسان آخر في هذا الكون، لكل إنسان قصته وموهبته وقدرته مثل بصمة يده أو عينه أو صوته ولكل منا تجارب تختلف عن تجارب الآخرين وما عليه إلا أن يثق بالله ثم بقدراته وعندئذ لا بد له أن يحقق ما يريد أن يصل إليه.
وهناك من التراث الهندي أمثلة تتضمن فهماً عميقاً للإنسان والحياة إذ إنهم يرون أن الأعمى هو من لا يستطيع رؤية عالم آخر غير عالمه والأبكم هو الذي لا يخرج على لسانه كلمة طيبة والفقير هو من لا يعطي المساكين والمحرومين والغني هو من يشعر بالغنى والرضى من أعماق قلبه وكل هذه الأمور لا يمكن لنا أن ننفذها دون يقين وإيمان حقيقي علماً أن كل إنسان يسري العالم من خلال معتقداته، هناك فيلسوف بريطاني تعرض بيته للسرقة وفي مقابلة تلفزيونية قال: لقد سرقوا كل نقودي وأنا أعرف أنه ليس لدي إلا القليل من المال ولكني سعيد لأنني كنت المسروق وليس السارق.