توجد أعداد كبيرة من الطلاب السعوديين المبتعثين للدراسة في بعض الدول العربية. ومن المؤسف أن بعضهم يدرس في جامعات يقل مستواها العلمي كثيراً عن مستوى جامعاتنا المحلية. وما دام الأمر كذلك، فإنني لا أدري ما الحكمة في الابتعاث إلى هذه الدول إلا إذا كان الأمر مرتبطاً بالظروف الشخصية والأسرية للطالب نفسه كأن تكون أسرته تعيش في أحد هذه البلدان أو غير ذلك من الأسباب الشخصية البحتة.
قبل فترة قريبة تعرض بعض الطلبة السعوديين الذين يدرسون في الأردن إلى مضايقات واعتداءات. وخلال الأيام الماضية، قبل انطفاء الأزمة مع مصر، عاش البعض في حالة من القلق خوفاً من تداعيات الأزمة على الطلبة السعوديين الذين يدرسون هناك. لكن المشكلة لا تكمن في ذلك، فالمضايقات يمكن أن تحدث لطلبتنا في أي بلد، وقد تعرض بعض الطلبة السعوديين في الولايات المتحدة إلى المضايقات في أوقات معينة. إن المشكلة الحقيقية هي في مستوى العملية التعليمية قبل أي شيء آخر.. فالتعليم، بما في ذلك الجامعي، لا زال متأخراً في معظم الدول العربية إن لم يكن جميعها.
من الصعب الفصل بين العملية التعليمية نفسها وبين البيئة العامة للبلد الذي تتم فيه تلك العملية. هناك فرق كبير بين أن يتلقى الطالبُ التعليمَ في بيئة يسودها النظام والانضباط وبين أن يتعلّم في بيئة تعج بالفوضى والتسيّب. والبيئة لا تقتصر على الحرم الجامعي وقاعات المحاضرات، بل تمتد إلى ماوراءها لتشمل المجتمع بشكل عام.
لقد نجحت المجتمعات الغربية وبعض المجتمعات الآسيوية، كالمجتمع الياباني مثلاً، في تكريس قيم الالتزام والانضباط بدءاً من آداب الوقوف في الطابور وركوب حافلة النقل العام وانتهاءً بالمهام الكبرى التي يتحمّلها الفرد. ونرى عكس ذلك في بعض البلدان التي يدرس فيها طلابنا، حيث تسود قيم «الفهلوة» وتجري الأمور على طريقة «إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب».
إن ميزانية الإنفاق الحكومي على الابتعاث هائلة، والدولة تصرف مليارات الريالات على المبتعثين. ولا شك أن هذا الإنفاق هو استثمار في العنصر البشري الوطني.. وهو من أفضل أنواع الاستثمار كما هو معلوم من خلال تجارب الأمم التي لحقت بالعالم المتقدم كاليابان وكوريا وماليزيا وسنغافورة. وما دامت الدولة قد وعيت هذا الأمر وأخذت على عاتقها مهمة القيام به بكل همة وجدية، فالأفضل هو أن يتجه طلابنا إلى المنابع التي تفجّرت فيها ثورات العلم الحديث ولا زالت هي الرائدة في التطوير والابتكار.
أخيراً.. من المفارقات الشكلية، التي لا أعتبرها مهمة على أية حال، أن الناس في بعض المجتمعات العربية التي يدرس فيها طلابنا يعتقدون إن بلادنا لا توجد فيها جامعات أو أننا متخلفون عنهم في التعليم الجامعي.. وهم ينظرون إلينا من هذه الخلفية التي ربما كانت صحيحة قبل خمسة أو أربعة عقود ويتعاملون معنا على هذا الأساس. أنا أعلم أن هذه مشكلتهم وتعكس جهلهم بأحوالنا.. لكن الشيء بالشيء يذكر، والأهم من هذا كله أن نواكب العالم المتقدّم.. وليس كالتعليم المتفوّق العميق وسيلة تحقق لنا ذلك، فلنذهب إلى حيث توجد الجامعات العريقة والتعليم المتفوّق!
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض