|
لاشك أنّ هناك نسبة كبيرة من المراجعين، تغفل تماماً أهمية الفحوصات الدورية للكشف عن بعض الأمراض التي تصيبهم، خاصة عندما تؤدي إلى مشكلات خطيرة تنهك المرضى، وهو ما حدا بالمختصين والهيئات الصحية العالمية، بالتأكيد على ضرورة إجراء فحوصات الدم بشكل روتيني للتأكد من عدم وجود بوادر مرضية لدى الشخص. ومن بين الأمراض التي يمكن أن تكشفها تلك التحاليل، فرط كريات الدم الحمراء، وهو مرض قلّما تتطرّق له وسائل الإعلام بالرغم من التأكيد على خطورته من جانب المختصين. إذ ربما تصل إلى احتمال حدوث جلطات في الرئتين أو القلب أو الدماغ أوالأطراف ... الدكتور راجح الصباح استشاري أمراض الدم بمجموعة د. سليمان الحبيب الطبية والحاصل على البورد الأمريكي وزمالة جامعة بوسطن في أمراض الدم والأورام، يحدثنا عن هذا المرض وطرق تشخيصه وعلاجه والوقاية منه.
إنتاج كريات الدم الحمراء والبيضاء
في البداية قال د. راجح الصباح إنّ الكريات الحمراء تتخلّق في نخاع العظام (نقي العظام) من الخلايا الجذعية أو الخلايا الأم (Hematopoietic Stem cells) والتي تنتج أيضاً الكريات البيضاء والصفائح الدموية، ويتم إنتاج كل نوع حسب حاجة الجسم له. ونظراً لأنّ المرّكب الأساسي الذي تحتويه الكريات الحمراء هو خضاب الدم (Hemoglobin)، فإنّ فرط الكريات الحمراء يكون مصحوباً ليس فقط بزيادة الكتلة الإجمالية لكريات الدم (Hematocrit) (عند الرجال 52 % والنساء 48 %)، بل ايضاً بارتفاع الخضاب فوق ما هو طبيعي للفئة العمرية التي ينتمي اليها المريض (الرجال 17.5غم % أما النساء فيكون 15.5غم %).
قد يتطوّر لسرطان بالدم
ويضيف د. راجح قائلاً: لهذا المرض نوعان: الأول الأساسي (Essencial) عندما يكون مرضاً قائماً بذاته نتيجة خلل في نخاع العظام، وهو نادر وغالباً ما يصيب الكبار ولا تتعدّى نسبة الإصابة به (1-2) بين كل مئة ألف من الرجال والنساء في كل الأعمار. هذا النوع من فرط الكريات الحمراء أكثر خطورة وأصعب علاجاً من النوع الثانوي، وقد يتطور ليصبح نوعاً من أنواع اللوكيميا (سرطان الدم). وقد يكون مصحوباً بخلل في بعض أنواع الكروموسومات (BCR-ABL (JAK2) كما يمكن أن يكون مصحوباً بتضخم في الطحال والكبد وغيرها.
الأكثر شيوعاً
أما النوع الثاني وهو الثانوي (Secondary ) فيكون رد فعل لمرض آخر وهو أكثر شيوعاً (لا يقل عن 98 % من مجموع حالات هذا المرض) وأقل خطورة، وغالباً ما يصيب فئة الشباب ويؤثر سلباً على هذه الفئة العمرية.
النوع الأساسي من أورام الدم الخبيثة
وأشار د. الصباح إلى أنّ النوع الأساسي ليس له سبب معروف وثابت علمياً. وهو في الواقع نوع من أنواع أورام الدم الخبيثة، في هذه الحالة تقوم الخلايا الأم بإنتاج الكريات الحمراء فوق ما يحتاجه الجسم دون ضابط أو رادع.
إفراز الهرمون لتحفيز الإنتاج
أما النوع الثاني (الثانوي) فموضوعه مختلف. كل ما في الأمر أنّ أنسجة الجسم المختلفة تشعر بحاجة لزيادة الهيموجلبين لكي تحصل على حاجتها من الأكسجين. في هذه الحالة تقوم الكلية والكبد بإنتاج هرومون يعرف باسم (Erythropoietin)، وهذا الهرمون يحفز الخلايا الأم لإنتاج كميات أكبر من الكريات الحمراء لتفي بحاجة الجسم. ويكون الإنتاج مرتبطاً بمستوى الـ Erythropoietin المحكوم بدوره بحاجة الجسم للأكسجين.
أعراض تشير إلى وجود المرض
وأوضح الدكتور الصباح أنّ الأعراض تختلف باختلاف النوع وقدر الارتفاع في الخضاب وكتلة الدم الحمراء والتي من بينها الصداع، الخمول، آلام العظام والعضلات، وتنميل في الأطراف وخاصة أصابع اليدين والقدمين، ارتفاع ضغط الدم، اضطراب وظائف القلب، ازرقاق في الشفاه والأصابع وفي الجسم بشكل عام واحتقان في الوجه.
صورة الدم تكشف الحالة
وعن تشخيص المرض أكد استشاري أمراض الدم أنه غالباً ما يكتشف صدفة عندما يقوم الطبيب بفحص صورة الدم (Complete Blood Count) لأي سبب. كما أنّ المريض قد يشكو من الأعراض التي ذكرت آنفاً فينتبه الطبيب إلى إمكانية وجود المرض، في هذه الحالة على الطبيب أن ينظر بدقة وشمول في سيرة المريض الصحية والأخذ بعين الاعتبار الأوضاع المختلفة التي قد ينتج عنها فرط الكريات الحمراء.
فحوصات لاكتشافه
كما طالب الصباح الأطباء بإجراء فحص لصورة الدم ووظائف القلب والكلى والكبد والرئتين، وصورة أشعة الرئتين وربما صورة صوتية للكبد والطحال، وأخيراً فحص مستوى الـ Erythropoietin في الدم. في النوع الأساسي يكون هذا الهرمون منخفضاً وفي النوع الثاني يكون مرتفعاً.
المدخنون الأكثر إصابة به
أما عن أسباب فرط الكريات الحمراء فأشار الصباح إلى أنها ترتكز على النوع الثانوي، لأن المصابين به يزيدون على 98% من الحالات. وهو ينتشر في منتصف العمر وبشكل خاص بين المدخنين ولا فرق هنا بين السجائر والشيشة أو السيجار. ففي جميع هذه الحالات تتشكل طبقة من (الزفتة) - نعم الزفتة التي نراها عندما ترصف الشوراع - وهذه الطبقة تغطي سطح الحويصلات الهوائية وهى المكان الذي تتم فيه عملية انتقال الأكسجين من الهواء إلى الهيموجلبين، وعملية انتقال ثاني أكسيد الكربون من الهيموجلبين إلى الهواء للتخلص منه، وأضاف الدكتور الصباح بقوله: من واقع خبرتي فإنّ هذا النوع من المرض ينتج عن التدخين في أكثر من 90% من الحالات. أما الأسباب الأخرى فتشمل أمراض الرئة والكلى والكبد، وبعض أنواع السرطان. كذلك يحدث أحياناً عندما يعيش الإنسان لفترة طويلة في الأماكن المرتفعة، حيث تقل نسبة الأكسجين في الهواء اللازم لكل أنسجة الجسم.
الجلطات الدماغية والرئوية أبرز المضاعفات
وواصل الدكتور الصباح حديثه بقوله: تعتمد درجة خطورة المرض على مدى ارتفاع مستوى الكريات الحمراء. إذ إنه كلما زادت الكريات الحمراء فوق المألوف، زادت لزوجة الدم، وكلما أبطأت سرعة جريان الدم في الأوردة والشرايين وهذا بدوره يزيد من احتمال حصول جلطات في الرئتين أو القلب أو الدماغ أو الأطراف وغيرها.
الأسبرين يجنّب تخثُّر الدم
أما العلاج فيكون بعلاج السبب أولاً وبعدها يقوم الطبيب بإجراء «تبرع علاجي في الدم» أي أن بنك الدم يقوم بسحب كميات معروفة وخلال فترات قصيرة حتى يهبط الهيموجلبين إلى 15غم فما دون. كما ينصح المريض بتناول كميات كبيرة من السوائل وتجنّب الجفاف والحر حتى لا تزيد لزوجة الدم، إضافة إلى مزاولة الرياضة لتنشيط الدورة الدموية. كذلك فمن الحكمة أن يتناول المريض عقار أسبرين الأطفال (81 ملغم في اليوم) لتجنّب تخثر الصفائح الدموية الأمر الذي يؤدي بدوره إلى حدوث جلطات مختلفة.
دور العقاقير في العلاج
كما أشار إلى أنّ العقاقير الأخرى دورها محدود وذلك بسبب الأعراض الجانبية التي قد تنتج عنها، وأكثرها الأدوية شيوعاً هو الـ Hydroxyurea. والذي يلجأ له عادة في حالات فرط الكريات الحمراء الأساسي أو الحالات التي تستعصي على الإجراءات العادية أو التي تكون مصحوبة بارتفاع في الكريات البيضاء والصفائح.
وقف التدخين ضرورة
واختتم الدكتور راجح الصباح استشاري أمراض الدم حديثه قائلاً: من العبث محاولة معالجة المرض ما دام التدخين جارياً، لذا أنصح الجميع بأن لا يخدعوا أنفسهم بالقول إنهم يدخنون عدداً قليلاً من السجائر أو يستعملون الفلتر أو أنهم يدخنون الشيشة أوالمعسل بدل التبغ، فتلك أعذار لا تفيدهم. كما يجب التذكير هنا أنّ الضرر لا يكون قصراً على المدخن نفسه بل يتعداه إلى من بجالسه من الأصدقاء أو الزوجات أو الأولاد أو زملاء في العمل لذا فنحن ننصح بالابتعاد كلية عن التدخين والمدخنين.
د. راجح الصباح