مدينة الرياض عاصمة عالمية بدون شك. ليس بملايينها الستة فحسب، بل بخدماتها ومرافقها وطرقها ومبانيها الحديثة - دعك من أهميتها في عالم السياسة والاقتصاد بالنسبة للعالم. أمانة مدينة الرياض هي المسؤولة عن صحة المدينة وجمالها وسلامة سكانها من أخطار البيئة..
... وتلوثها وعن تنظيم وسائل الحياة العامة فيها، بل هي المسؤولة عن مظهر المدينة ومخبرها - حتى عندما تقوم جهات أخرى فيها بما يقع في دائرة اختصاصاتها. إذ إن المنتظر من الأمانة أن تراقب تلك الجهات بحيث لا يترتب على أعمالها إفساد أو أضرار بمعالم المدينة ومرافقها البلدية وسكانها.
باختصار فإن الأمانة هي الأم الرءوم لمدينة الرياض، تحنو عليها كما تحنو الأم على أطفالها. وهي - ولله الحمد - تفعل كثيرًا من ذلك. ويكفي أن أشير إلى الإنجازات المتعلقة بتجميل المدينة مثل الحدائق العامة التي تنعش جو الرياض والمتنزهات الفسيحة والأرصفة العريضة المستوية في بعض الأحياء للتشجيع على رياضة المشي ومهرجانات الزهور والفعاليات الاحتفالية، وتجميل الشوارع والميادين بالأشجار والزهور والمجسمات والإضاءة.. الخ.
ولم أذكر الإنجازات الأخرى العديدة التي تدخل في صلب عمل الأمانة وبلدياتها الفرعية. أما الأمور التي هي من اختصاص جهات أخرى غير الأمانة مثل تنظيم الأمن المروري (مسارات السيارات وتوزيع الإشارات المرورية) وتمديدات الكهرباء والصرف الصحي والماء والهاتف وإقامة المنشآت والمرافق والمباني الحكومية والخاصة فإن مهام الأمانة يجب أن تشمل إلى جانب منح التراخيص سلطة الرقابة على التأثيرات الجانبية التي تنغص حياة السكان لمنع حدوثها أو التقليل من أخطارها بدلاً من الاتكال على مسئولية الجهة المختصة. وسأضرب أمثلة لبعض نواحي القصور التي تخلف آثارًا مؤذية التي أرى أن تدخل أمانة المدينة الحاسم كفيل بكف أذاها عن جمهور سكان الرياض - وخصوصًا المارة. ولا أزال أتمثل صورة ذلك الشيخ الوقور والمسئول الكبير بإحدى الوزارات (قبل أن يتقاعد) الذي كان يسير هادئًا مطمئنًا على رصيف أحد الشوارع إلى أن وصل إلى حافته وكان عليه أن ينزل بقدمه إلى أرض الشارع ليكمل سيره، ولكن عتمة الليل وعتامة النظر جعلته لا ينتبه إلى الحفرة المكشوفة وغير المسورة فهوى فيها وأخرج منها إلى المستشفى وهو يعاني من إصابات بالغة في القفص الصدري ونزيف رئوي وقضى نحبه من جراء مضاعفات ذلك الحادث، وقد تكون هذه حالة نادرة، ولكن بعض الحفر الناتجة عن تسلخ الإسفلت أو إصلاح ماسورة مياه أو تمديد خطوط - أو أي أنواع أخرى من الحفر - إنما تمثل فخاخًا بمعنى الكلمة للمارة لعدم وضع حاجز حولها أو تحذير قبلها ينبه الماشي.
وفي الوقت الحاضر تحولت مدينة الرياض كلّها إلى ورشة بناء ما بين جسور تشيد أو طرق يجري تعديل مساراتها، أو حفريات طويلة ممتدة لتمديد مواسير الصرف الصحي والمياه والكابلات، أو مبانٍ تقام، كل هذا يصاحبه وضع حواجز أسمنتية لتحويل مسار السيارات. فالماشي بمحاذاة هذه الحواجز إما أن يسير على جهة السيارات فيعرض نفسه لخطر الدهس أو أن يتلمس طريقه المليء بالعوائق بين الحواجز وموقع البناء أو الحفر، وذلك لأنه لا تخصص جادة ولو ضيقة لسير المارة. ومما يزيد الطين بلة أن كثيرًا من مثل تلك الأعمال تطول مدة تنفيذها بدون مبرر فني. بل قد يكون المبرر إما قيام بعض المقاولين بتنفيذ عدة مشاريع في وقت واحد فينقّلون عمالتهم بين مشروع وآخر، وإما انعدام التنسيق بين الجهات ذات العلاقة بالمشروع.
لقد رأيت كيف استغرق تنفيذ التعديل لرصيف فوق نفق أحد الشوارع الرئيسة مدة تقرب من عام كامل - وكانت الكوابل الكهربائية التي تغذي الحي مدفونة تحته. فبعد إزالة الرصيف القديم صرنا مضطرين للسير بين الكوابل وبينها وبين الحواجز الأسمنتية التي تفصل منطقة العمل عن السيارات المسرعة إلى أن تم - بعد تلك المدة بناء رصيف جديد.
على أن حالة الأرصفة في أكثر شوارع الرياض - حتى بدون أعمال حفر وتشييد - تمثل إزعاجا للمشاة أو تهديدًا لسلامتهم.
فقلما نجد رصيفًا منبسطًا ومستويًا يمشي فوقه الناس مطمئنين أو تسير فوقه عربات الأطفال أو عربات ذوي الإعاقة الحركية براحة وانسياب. لا بد أن يعترضك حوض شجر أو درج يهبط فجأة أو يرتفع فجأة، أو يكون جزءًا من الشارع بلا رصيف أو برصيف ضيق وعندما تسير على الرصيف عليك أن تحاذر من الارتطام بباب زجاجي مفتوح إلى الخارج.
وقد يقول قائل: إن هذه مبالغة، فلم نسمع عن أحد قد انكسرت ساقه على حافة درج أو عظمة أنفه من ارتطام بدرفة باب زجاجي. إن السبب في ذلك هو أن الناس أصلاً لا يستخدمون الرصيف لما وضع له، بل هم يصطفون بسياراتهم أمام المحل الذي يقصدونه مثنى وثلاثًا حتى لو ضيّقوا الشارع على السيارات العابرة. وهذا وضع شاذ ساعد عليه الشح في مواقف السيارات وعدم تأهيل الأرصفة للسير على الأقدام. ما أكثر ما تستطيع الأمانة عمله لتحسين وضع الأرصفة فهذا من صلب عملها. وعن طريق إلزام أصحاب المحلات أو مقاولي الإنشاء باتباع الإرشادات والمواصفات التي تقررها الأمانة.
وأخيرًا انظروا إلى إشارات المرور الضوئية التي تم وضعها حديثًا على بعض التقاطعات، فإنك لا تجد إشارة خاصة بالمشاة - أو هي لا تعمل. وعلى الماشي أن يطالع الإشارة الخاصة بالسيارات لكي يستنتج من احمرارها أنه يستطيع عبور الشارع - على مسؤوليته طبعًا. وفوق ذلك فإنه لا يوجد نظام يلزم أصحاب السيارات بالوقوف احترامًا لحق المشاة - وباستثناء طريق الملك فهد - لا توجد جسور للمشاة على الشوارع العريضة.
وربما يكون لإدارة المرور الكلمة العليا في تنظيم حركة المرور ولكني أظن أن الكلمة الأخيرة يجب أن تقولها الأمانة.
لقد كتب الشيء الكثير عن مثل تلك الملاحظات، وليس غرض الكاتبين البحث عن مبرر لتحميل الأمانة تكاليف تغطية التأمين ضد حوادث المشاة، بل الغرض هو التعبير عن الثقة في أمانة مدينة الرياض من حيث قدرتها على الوقاية من المخاطر التي أشرت إلى بعضها. وكلما رأينا الأمانة تنجز شيئًا جديدًا لافتًا للأنظار ازداد طمعنا في قدرتها على إصلاح الخلل البسيط الذي قد لا يلفت الأنظار، لكنه ليس بسيطًا في عواقبه وآثاره وكما قلت في مقال سابق فإن البثور الصغيرة على وجه المرأة الجميلة تصرف عنها نظرات الإعجاب.