دائماً ما أسترجع مقولة أعجبتني كثيراً تقول: «ليس من المفترض على الإنسان أن يتحمل التغيير، ولا حتى أن ينتفع به فقط، بل أن يتسبب فيه أيضاً». يأتي ذلك عندما أتأمل أوضاع الكثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية في بلادنا.
وبرغم أن هذه المقولة تدل على أن الجميع مسؤولون عن التغيير دون استثناء، خاصة فيما يتعلق بحياة المواطن في مجالات التنمية والتطوير والتعليم، إلا أننا نلحظ في بعض الأحيان وجود بعض الأفكار والسياسات التي ينتهجها بعض مسؤولي القطاعات الحكومية هي فقط ما يمكن أن نسميه «التغيير من أجل التغيير».
يُعَدّ الوقت الذي تعيش فيه المملكة الآن عصراً زاهياً بشتى جوانبه الاقتصادية والتنموية والحضارية وغيرها، إلا أن ثقافة التغيير نحو الأفضل ما زالت غائبة لدى البعض؛ فنرى بعض المسؤولين عندما يتم تعيينهم في مناصب الدولة القيادية يبادرون مباشرة بنسف الخطط والأعمال التطويرية التي كان المسؤول السابق قد اعتمدها، وربما قطع شوطاً طويلاً في ذلك، سواء كان ذلك على مستوى الأنظمة الداخلية، أو اللجان المشكَّلة، أو الدراسات الاستراتيجية، ويتم ذلك بحجة التطوير والتجديد في العمل، مع العلم أن أغلب تلك الخطط والدراسات قد كلفت الخزانة العامة للدولة مبالغ طائلة، واستنفدت من الجهد البشري الكثير، وتم وضع الرؤى والأفكار لتلك الدراسات أو الاستراتيجيات.. ومن وجهة نظري إن هذا يُعَدّ قصوراً كبيراً في منهجية القيادة؛ لأن ذلك يُسهم في تراجع وإرباك أداء تلك القطاعات، وبالتالي تعطيل مصالح المواطنين وإنتاجية العمل.
إذاً، كيف يسمح المسؤول لنفسه بنسف الإجراءات والأعمال التي تمت قبل مجيئه؟
نضيف إلى ذلك: لماذا لا يكون جزء من مهام المسؤول السابق أثناء تسليم مهامه شرح وإيضاح أبعاد وأهداف تلك المشاريع إلى المسؤول الجديد؛ ليتسنى له مواصلة مشوار من سبقه؛ حتى لا يعيد الإجراءات والدراسات السابقة إلى مربعها الأول؟ خاصة إذا كانت مقبولة ومعقولة، وثبت جدواها، وتم التخطيط الجيد لها، وتوافرت الإمكانات اللازمة لتطبيقها.
هنا نقول إن معظم النظريات الحديثة في الإدارة تؤكد أن تراكم التجارب والخبرات هو السبيل المضمون لتحقيق تراكم إيجابي يُسهم في بناء منظومة مؤسسية للإدارة الفاعلة، التي تعتمد على البرامج والخطط طويلة المدى، وليس على مشاريع مؤقتة تعالج مرحلة معينة فقط.
لكن عندما نتحدث عن هذه المشكلة فإننا ندرك أن أهم العوامل التي تقف خلف هذه الظاهرة ليست فقط محاولة بعض المسؤولين بناء تاريخ شخصي لهم بل غياب مفهوم وثقافة التخطيط الشمولي الذي أدى إلى ظهور فردية التخطيط؛ ما كرس مبدأ الإدارة الفردية التي تعتمد على منظورها الشخصي في تقدير أهمية المشاريع والخطط أو إيقافها للبدء في إجراءات جديدة، بينما تعتمد الإدارة الجماعية على الخطط الواقعية والقابلة للاستمرار بغض النظر عن بقاء المسؤول أو رحيله.
لقد نجحت التجارب الدولية التي نراها اليوم في تقديم وصفة ناجعة وسحرية للتخلص من آفة التغيير من أجل التغيير بحيث أصبح التغيير الإيجابي هو المفهوم الحديث الذي تعتمد عليه تلك الدول والمجتمعات؛ ما يعني ذلك أن اتخاذ قرار بتغيير سياسة أو قانون أو أي خطط هو بمنزلة إعلان تحول عن السياسات والإجراءات السابقة وفشلها؛ لأنها تسببت في عدم تطور الأداء والإنتاجية أو عدم مناسبتها للمرحلة، وأن التغيير المتوقع من السياسات الجديدة البديلة قد تمت دراسته والتأكد من مدى قدرته على التطوير المطلوب وإيجاد الحلول وكذلك واقعية تطبيقها حتى يطمئن الجميع أن هذا التغيير ليس من باب الترف الإداري أو من أجل استخدامها مادة إعلامية لتسليط الضوء على قطاع أو شخص لتسويقه دون مبرر.
وختاماً نقول: إن أي خطوات أو سياسات تتبع فلسفة التغيير من أجل التغيير هي مغامرة بل متاجرة بمؤسسات أو قطاعات أُوجدت من أجل هدف وطني أو خدمي، ولم توجد من أجل أشخاص أو مسؤولين يحولونها إلى حقل تجارب. ولعلنا نرى في المستقبل القريب مجلساً أعلى للتخطيط، يرسم لنا استراتيجيات شاملة لجميع الوزارات في المملكة؛ ليتناغم العمل الحكومي والمؤسساتي مع بعضه بعضاً؛ حتى لا يستطيع كائن من كان إحداث تغيير من أجل التغيير.
mshuwaier@hotmail.com