|
يصادف اليوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر مايو الموافق 24/ 6/ 1433ه ذكرى مرور ثلاث وستين سنة على نكبة فلسطين بإعلان قيام «دولة إسرائيل». وكان لصدور وعد بلفور في عام 1917م وفرض الانتداب البريطاني على فلسطين أثره الكبير في زيادة موجة الهجرة اليهودية المنظمة إلى فلسطين، التي بدأت في عام 1882م تقريباً؛ فقد نص ذلك الوعد على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، كما أن حكومة الانتداب قد تعهَّدت بتسهيل الاستيطان اليهودي. وبعد الحرب العالمية الثانية استغلت الصهيونية العالمية قواها الضاغطة في الولايات المتحدة للحصول على تأييد مخططي السياسة وأصحاب النفوذ، ونجحت في عقد مؤتمر بليتمور عام 1942م، الذي أفصح عن حقيقة الأطماع الصهيونية التي هدفت إلى فتح باب الهجرة إلى فلسطين دون قيد، وتأكيد حق الصهيونية في تأسيس دولة؛ لتصبح فيما بعد عضوا في الأمم المتحدة، وتحتل أكثر من 90 % من مساحة فلسطين. وتبع ذلك النداء الذي وجهه الرئيــس الأمريكي ترومان إلى رئيس الحكومة البريطانية آنذاك آتلي يطالب فيه بالسماح الفوري لمئة ألف يهودي من ضحايا النازية - كما أسمـــاهم - بالدخول إلى فلسطين. وهكذا توالت الهجرات الصهيونية الاستيطانية إلى فلسطين حتى عام 1947م عندما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة دون وجه حق تقسيم فلسطين إلى دولة فلسطينية وأخرى يهودية معترفة للغازي والمغتصب الإسرائيلي بجزء من الأراضي التي احتلها من أهلها الشرعيين. وثار العرب والفلسطينيون ضد هذا القرار الجائر، وكان لتدخلات وتواطؤ بعض القوى العالمية آنذاك الدور الأكبر في فشل هذه الجهود على المستويَيْن العسكري والدبلوماسي؛ ما مكَّن الصهاينة من ارتكاب مجازر عدة ضد أبناء فلسطين، وقاموا بطردهم والاستيلاء على مدنهم وقراهم واغتصاب أملاكهم وأراضيهم، ثم جاءت النكبة الكبرى بإعلان الصهاينة دولتهم في عام 1948م. وتحل هذه الذكرى اليوم بعد ثلاثة وستين عاماً، تحمل في طياتها ذكريات أليمة لكل العرب والمسلمين؛ فإسرائيل ماضية في أعمالها التوسعية على حساب الأراضي الفلسطينية والعربية في فلسطين وسوريا ولبنان، وما زالت ترتكب المجزرة تلو الأخرى والاعتداء تلو الاعتداء ماضية في مماطلتها وتسويفها في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وفي تنفيذ اتفاقات عملية السلام في الشرق الأوسط. وقد وقفت المملكة العربية السعودية إلى جانب القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها، تدعمها وتناصرها وتقم جميع أنواع العون والمساعدة للشعب الفلسطيني لدعم صموده، واتخذت مواقف ثابتة دفاعاً عن حقوقه المشروعة وتحقيق تطلعاته وآماله. وأعطت المملكة العربية السعودية القضية الفلسطينية الأولوية في العمل السياسي في المحافل العربية والإسلامية والدولية، وسخَّرت إمكاناتها وعلاقاتها في خدمة القضية ومناصرتها. ويمتد اهتمام المملكة العربية السعودية بالقضية الفلسطينية إلى عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي رعى قضية فلسطين وشعبها انطلاقاً من المسؤوليات العربية والإسلامية والدولية التي اضطلعت بها المملكة، وأولاها جُلّ رعايته واهتمامه؛ فطرحها في المحافل الدولية وعلى الدول المؤثرة في أحداث المنطقة في ذلك الحين دفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني وعدم التفريط فيها. وانطلقت تلك المواقف الثابتة للملك عبدالعزيز من مبادئ إسلامية ومسؤولية تاريخية وعمل وطني، يؤمن به - رحمه الله -، وتفرضه المسؤولية العربية والإسلامية. وتدل مراحل تبادل المراسلات والاتصالات بين الملك عبدالعزيز ورؤساء ومبعوثي الدول المؤثرة في ذلك الحين في مجملها على القوة الشخصية للملك عبدالعزيز وسلامة ورجاحة منطقه وحججه القانونية ودفاعه الصلب عن القضية الفلسطينية وبُعد النظر في معارضته للمواقف الداعمة لفكرة الصهيونية في فلسطين لما سوف ينتج منها من آثار سلبية على المنطقة. وقد تواكبت جهود الملك عبدالعزيز لدعم الحقوق الفلسطينية على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية؛ ما أزعج الجهات الداعمة للصهيونية، وتلقت حكومة المملكة مذكرات رسمية في إبريل 1948م حول تلك التحركات، أجاب عنها الملك عبدالعزيز بكل حزم وقوة. ويقول الملك عبدالعزيز في كلمة ذات دلالة واضحة لجهة التزامه بالقضية الفلسطينية حتى مع تغير الظروف لأحد أعضاء لجنة الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية «إن أبنائي سيعكفون من بعدي على إكمال رسالتي إن شاء الله». وصدقت مقولة الملك عبدالعزيز، وتسلمت الأمانة أيادٍ مخلصة أمينة، بدءاً بالملك سعود ثم الملك فيصل ثم الملك خالد فالملك فهد - رحمهم الله - وأثابهم على جهودهم الخيِّرة في خدمة ونصرة القضية الأولى للعرب والمسلمين؛ حيث واصلت المملكة في تلك المرحلة العمل بكل حزم وقوة إلى جانب القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني، واتخذت مواقف ثابتة إزاء ما تعرَّض له شعب فلسطين من ملمات ومآسٍ. وكان للمملكة العربية السعودية موقف مميز ودور طليعي عندما أقدمتالسلطات الإسرائيلية على تنفيذ جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك عام 1969م، ووقفت المملكة في مقدمة الدول الإسلامية مستنكرة تلك الجريمة، وداعية إلى عمل إسلامي موحَّد إزاءها.
واستقرت الأمانة لدى رجل المواقف البارزة والثابتة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - الذي احتضن أمانة الوالد الموحِّد، وعمل بوصيته؛ فوقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في الحلول كافة المنصفة لقضيتهم التي دامت سنوات طويلة، يستثمر ما تحظى به المملكة من تقدير واحترام في جميع الأوساط والمحافل نتيجة لنبل مقاصد المملكة العربية السعودية وثبات مواقفها التي لا تتغير ولا تتبدل رغم تغير وتبدل الظروف والأحداث وما يطرأ من تطورات عربية وإقليمية ودولية، وأضحت القضية الفلسطينية الشغل الشاغل للعالم أجمع، وفي مقدمة اهتمامات وأوليات المجتمع الدولي، وهو أمر تعيشه القضية في المرحلة الراهنة. ووقفت المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بكل صدق ومسؤولية جنباً إلى جنب مع أشقائها الفلسطينيين، ترعاهم وتدافع عن قضيتهم وحقوقهم السليبة.. وقفت إلى جانبهم تقدم لهم الدعم والرعاية، وتفي بالتزاماتها نحوهم، وتساندهم في مختلف المحافل عربياً وإسلامياً ودولياً.
وعلى صعيد العمل الدبلوماسي قامت المملكة العربية السعودية بتوجيه وإشراف خادم الحرمين الشريفين بدور مميز وجهود متواصلة من أجل القضية الفلسطينية ونيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وتبنت المملكة العربية السعودية قضية، القدس ووقفت بكل صلابة في مواجهة المؤامرات الصهيونية ضد تلك المدينة ومقدساتها ومحاولات طمس تاريخها الإسلامي واغتصاب أراضيها وتهجير أهلها وصولاً إلى أحداث تغيير ديموغرافي يرجح الكفة اليهوديـة. وانطلق الموقف السعودي بشأن القدس من اقتناع راسخ بأن القدس هي صلب القضية الفلسطينية التي هي محور الصراع العربي الإسرائيلي. وقد حظي وضع مدينة القدس باهتمام بالغ من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - الذي عبَّر عن ذلك بقوله في إحدى المناسبات الإسلامية «إن قضية فلسطين ووضع الأراضي المحتلة وفي مقدمتها القدس ما زالا يحتلان جل اهتمامنا، ويستغرقان الكثير من جهودنا ومساعينا». وجسدت المملكة العربية السعودية ذلك التوجُّه عملياً حينما تكفلت في إبريل 1992م بنفقات إصلاح وترميم المساجد بمدينة القدس.
وفي المحافل الدولية اضطلعت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين بدور مميز في إطلاع الرأي العام الدولي على جوهر القضية الفلسطينية وعدالة ومشروعية الحقوق الفلسطينية المغتصبة. وكانت المملكة العربية السعودية في طليعة الدول التي اعترفت بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة فور إعلانها؛ فقد رحبت المملكة بقرار قيام الدولة الفلسطينية وباركته وأعلنت اعترافها التام بها في نوفمبر 1988م، وأقامت سفارة فلسطينية في المملكة، وقدمت مبنى السفارة الفلسطينية في العاصمة الرياض هدية للشعب الفلسطيني. وتؤكد المملكة العربية السعودية دائماً موقفها الثابت والتاريخي في دعم القضية الفلسطينية على الصعد والمستويات كافة منذ عهد الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - الذي جعل القضية الفلسطينية من أهم أولوياته. وقدم ـ حفظه الله ـ العديد من المبادرات السلمية لحل القضية الفلسطينية وحل النزاع العربي الإسرائيلي، التي لقيت موافقة وإجماعاً عربياً ومساندة دولية حتى عرفت بمبادرة السلام العربية. وتأتي ذكرى نكبة فلسطين هذا العام وسط تطورات متلاحقة في القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي؛ فبعد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، الذي بدأت مرحلته الأولى واتفاقات أوسلو عامي 1993 و1995، مرت القضية الفلسطينية بتطورات كبيرة؛ حيث وقع الفلسطينيون والإسرائيليون اتفاقات عدة، أبرزها توقيع إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي/ غزة / أريحا الذي تم في واشنطن في سبتمبر 1993، والتوقيع في القاهرة في الرابع من مايو 1994 على وثيقة تنفيذ اتفاق غزة / أريحا وإقامة الحكم الذاتي الفلسطيني فيهما. وفي الثالث عشر من الشهر نفسه تسلم الفلسطينيون السلطة رسمياً في مدينة أريحا، وتم رفع العلم الفلسطيني على مقر القيادة العسكرية للمدينة بعد سبعة وعشرين عاماً من الاحتلال الإسرائيلي لهما. وفي سبتمبر من عام 1995م وقع الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي بالأحرف الأولى في طابا بمصر على اتفاقية توسيع الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، ثم وقع الجانبان عليه رسمياً في الشهر ذاته في حديقة البيت الأبيض في واشنطن. وجاءت هذه الاتفاقات بعد أن أيقنت حكومات إسرائيل السابقة والعالم أجمع أن منطقة الشرق الأوسط لن تعرف الاستقرار والأمن قبل إيجاد تسوية عادلةلقضية الفلسطينية، تستند إلى قرارات الشرعية الدولية وإلى حق الشعب الفلسطيني في ممارسة حقوقه الوطنية الثابتة. وازدادت المشكلات العالقة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي معاستمرار إسرائيل كعادتها في انتهاج أسلوب المماطلة والتسويف، خاصة بعد تسلم حزب الليكود الإسرائيلي الحكم؛ حيث رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (نتنياهو) موضوع إعادة الانتشار في مدينة الخليل المحتلة بالضفة الغربية حسب الاتفاق الذي كان يتعين تنفيذه في شهر مارس 1996م. وفي الثالث والعشرين من شهر أكتوبر 1998 رضخ نتنياهو لضغط المجتمع الدولي، ووقع اتفاق (واي بلانتيشن) في واشنطن لإعادة الانتشار الإسرائيلي، إلا أن الجانب الإسرائيلي لم يلتزم ببنود الاتفاق، وتملص من الجدول الزمني الذي تضمنه، رغم أن موعد الرابع من مايو 1999م كان هو الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق في محادثات الوضع النهائي مع الفلسطينيين حسب اتفاقات أوسلو الموقعة عامي 1993 و1995م. وبعد تولي زعيم حزب العمل الإسرائيلي إيهود باراك الحكم في إسرائيل في مايو 1999 استمرت المناورات والوعود الإسرائيلية دون تنفيذ، واستمرت المحادثات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تحت راعي السلام الأمريكي دون نتيجة تذكر، وكان أبرزها القمة الثلاثية التي عقدت في كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية في شهر يوليو 2000م بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، واستمرت نحو أسبوعين، وفشلت في تلبية أبسط مطالب الجانب الفلسطيني العادلة. وعقب تولي اريل شارون رئاسة الوزراء في فبراير 2001م زادت مزاعم إسرائيل عن ضرورات الأمن الإسرائيلي، وسعت إلى عرقلة كل مباحثات جادة لتطبيق قرارات الأمم المتحدة، وحاصرت الفلسطينيين، ومنعتهم من العمل، وهدمت البيوت، وجرفت الحقول الزراعية، وطبَّقت سياسة الترحيل الإجباري للفلسطينيين.
كان للملك عبدالله موقف تاريخي في مؤتمر القمة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية (قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة)
وعقب أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا وبروز موقف أمريكي ودولي متشدد من الإرهاب استغلت إسرائيل الموقف، وتمادت حكومة شارون في غيها، وارتكبت جرائم حرب ضد الفلسطينيين بعد أن أعادت احتلال أجزاء من أراضيهم، وفرضت الحصار عليهم، وما حدث في مخيم جنين وفي مدن وقرى الضفة الغربية الفلسطينية الأخرى أبلغ شاهد على تلك المجازر، كما أن رفض إسرائيل استقبال فريق تقصي الحقائق شاهد آخر على تجاهلها للشرعية الدولية ولقرارات الأمم المتحدة التي صدرت بالإجماع. ولم تكتفِ إسرائيل بما قامت به من مذابح سابقة؛ فقامت في 27 ديسمبر 2008م بمجزرة أخرى في غزة، وشنت قواتها العسكرية حرباً ضروساً على قطاع غزة والشعب الفلسطيني الأعزل في حرب استمرت أكثر من ثلاثة أسابيع، خلفت الآلاف من القتلى والجرحى، نصفهم من النساء والأطفال، إضافة إلى الخسائر المالية التي قُدِّرت بنحو ملياري دولار. وأضحى اليوم الاعتقال وهدم المنازل وحظر التجول والتوغل بالدبابات والمروحيات وإعادة الاحتلال لمناطق انسحبت منها قوات الاحتلال وسقوط الضحايا من المدنيين الآمنين نمطاً للحياة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بعد أن حوّلت إسرائيل عملية السلام إلى عملية حرب ضد الشعب الفلسطيني مستخدمة القوة العسكرية لحصاره وعزله وجعله رهينة داخل الضفة الغربية وقطاع غزة. كما أفشلت إسرائيل (خارطة الطريق) الدولية للسلام التي تدعو إلى اتخاذ سلسلة من الخطوات المؤدية إلى إقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005م، وأفشلت ما تم الاتفاق عليه في المؤتمر الدولي للسلام الذي عقد في أنابوليس الأمريكية عام 2007م، وتواصل إسرائيل انتهاك الأعراف والمواثيق الدولية، ومن ذلك بناء (جدار الفصل العنصري) الذي تقيمه في الضفة الغربية، وهو مخطط يهدف إلى تقسيم السكان على أساس عرقي، وفصل المواطنين الفلسطينيين عن بعضهم، وإعاقة حركتهم من خلال فرض حظر التجول والإغلاق ومصادرة آلاف الدونمات من الأراضي والممتلكات الفلسطينية التي تُعتبر مصدر الرزق الوحيد لمئات العائلات الفلسطينية؛ ما يُعتبر تقسيماً للهوية الفلسطينية من الناحية الدينية والوطنية والعرقية.
الملك عبدالله بن عبدالعزيز طرح تصوراً لحل الصراع بين العرب وإسرائيل
مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز قُدِّم لمؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002م، ووجد كل الترحيب والمباركة. وتحل ذكرى النكبة هذا العام وسط تطورات إقليمية والتزامات دولية بتحقيق السلام في الشرق الأوسط بعد اعتراف الكثير من الدول المحبة للسلام بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967م، كذلك توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة بين حركتي فتح وحماس الشهر الجاري. وكان لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز موقفٌ تاريخيٌّ في مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية (قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة)، التي عُقدت في الكويت في شهر يناير من العام 2009م؛ حيث أعلن ـ حفظه الله ـ تجاوز مرحلة الخلافات بين العرب، وأسس لبداية مرحلة جديدة في مسيرة العمل العربي المشترك، تقوم على قيم الوضوح والمصارحة والحرص على العمل الجماعي في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل. وأعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - في تلك القمة تبرع المملكة العربية السعودية بمبلغ (1000) مليون دولار لإعادة إعمار غزة، وشدد على أهمية وحدة الفلسطينيين في هذه المرحلة المهمة؛ حيث قال ـ أيده الله ـ: «وتقضي الأمانة هنا أن نقول لأشقائنا الفلسطينيين إن فُرْقتهم أخطر على قضيتهم من عدوان إسرائيل، وأذكرهم بأن الله عز وجل ربط النصر بالوحدة، وربط الهزيمة بالخلاف، مستذكرا معهم قوله تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}». كما نبَّه - حفظه الله - الكيان الإسرائيلي إلى أن الخيار بين الحرب والسلام لن يكون مفتوحاً في كل وقت، وأن مبادرة السلام العربية المطروحة لن تبقى على الطاولة إلى الأبد؛ حيث قال - رعاه الله -: إن على إسرائيل أن تدرك أن الخيار بين الحرب والسلام لن يكون مفتوحاً في كل وقت، وأن مبادرة السلام العربية المطروحة على الطاولة اليوم لن تبقى على الطاولة إلى الأبد. وأصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - توجيهاته بتأمين كل ما يمكن من المستلزمات الطبية والأدوية وشحنها إلى قطاع غزة عن طريق جمهورية مصر العربية، إضافة إلى تأمين طائرات الإخلاء الطبي لنقل ما يمكن من المصابين والجرحى من الفلسطينيين من العريش في مصر إلى المملكة، وكذلك تأمين طائرات الشحن الجوي لنقل المستلزمات الطبية والأدوية بالتنسيق مع الأشقاء المصريين والفلسطينيين إلى العيش في مصر بالتنسيق مع سفارة خادم الحرمين الشريفين في القاهرة. ووجّه الملك المفدى كذلك باعتماد معالجة الجرحى الفلسطينيين في مختلف مستشفيات المملكة التخصصية والمرجعية والعامة، كل حسب حالته الصحية، وأن تقوم وزارة الصحة بالتنسيق مع الجهات المعنية حيال ذلك، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإنجاز ذلك بشكل عاجل جداً. كما وجه - حفظه الله ورعاه - بإطلاق حملة تبرعات شعبية عاجلة في عموم مناطق المملكة للمساهمة في مساعدة وعون وإغاثة الأشقاء الفلسطينيين والوقوف معهم من جراء ما يتعرضون له من اعتداءات إسرائيلية غاشمة. وتأكيداً لحرص ومتابعة خادم الحرمين الشريفين على تقديم العناية الطبية اللازمة للمصابين الفلسطينيين قام - حفظه الله - بزيارة لعدد من المصابين الفلسطينيين، واطمأن على صحتهم، كما أوصى ببذل أقصى الجهود للعناية بهم والاهتمام بمرافقيهم، ووجَّه بصرف مبلغ مالي يومي للمرضى الفلسطينيين المحالين للعلاج بالمملكة ومرافقيهم طوال فترة وجودهم في المملكة.
مؤتمر مكة
وعندما حدث خلاف بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين سارع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - بتوجيه الدعوة لأشقائه قادة الشعب الفلسطيني لعقد لقاء في رحاب بيت الله الحرام بمكة المكرمة لبحث أمور الخلاف بينهم بكل حيادية، ودون تدخل من أي طرف للوصول إلى حلول عاجلة لما يجري على الساحة الفلسطينية. واستجاب القادة الفلسطينيون لهذه الدعوة، وعقد كل من فخامة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ودولة رئيس الوزراء الفلسطيني - آنذاك - إسماعيل هنية اجتماعات في مكة المكرمة بحضور عدد من المسؤولين في حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين، وتوجوا تلك الاجتماعات باتفاق مكة الذي أُعلن بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - بجوار بيت الله الحرام في العشرين من شهر محرم 1428هـ. وفي إطار ما يبذله - رعاه الله - من جهود لرأب الصدع وتوحيد الصف بين الفصائل الفلسطينية بعث خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود برقية لفخامة الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بمناسبة انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح في بيت لحم في شهر أغسطس من العام 2009م، دعاهم فيها إلى وحدة الصف، وقال - حفظه الله - في رسالته: إن ما يحدث في فلسطين صراع مروِّع بين الأشقاء، لا يرضي الله ولا المؤمنين. إن قلوب المسلمين في كل مكان تتصدع وهي ترى الإخوة وقد انقسموا إلى فريقين، يكيل كل منهما للآخر التهم، ويتربص به الدوائر. وذكَّرهم - حفظه الله - بقول الله - عز وجل - {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص}، وبقوله جل شأنه {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. وأضاف - أيده الله - «إنني باسم إخوانكم في مهبط الوحي، وباسم إخوانكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أذكركم بأيمانكم ومواثيقكم المغلظة يوم اجتمعتم في البيت الحرام أمام الكعبة المشرفة، إنني استحلفكم بالله، رب البيت الحرام، أن تكونوا جديرين بجيرة المسجد الأقصى، وأن تكونوا حماة ربوع الإسراء، أستحلفكم بالله أن يكون إيمانكم أكبر من جراحكم، ووطنيتكم أعلى من صغائركم، أستحلفكم بالله أن توحدوا الصف وترأبوا الصدع، وأبشركم إن فعلتم ذلك بنصر من الله وفتح قريب، وهو سبحانه القائل ووعده الحق {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}.
كما أدان مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في الحادي والثلاثين من شهر مايو 2010م إثر هجوم قواتها على أسطول الحرية الذي كان متوجهاً إلى قطاع غزة لكسر الحصار المفروض عليها من قبل السلطات الإسرائيلية. وعد المجلس هذا الهجوم عدواناً يعكس الممارسات غير الإنسانية وتحديها السافر للعالم كافة، وللقانون الدولي، وإصرارها على تجويع الشعب الفلسطيني ومنع كل وسائل الإغاثة الإنسانية، وإمعاناً في قتل الأبرياء. ودعا المجلس المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه هذه الاعتداءات والسياسة الهمجية من قِبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وفي شهر ديسمبر 2009م منحت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأنوروا) صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية المشرف العام على حملة خادم الحرمين الشريفين لإغاثة الشعب الفلسطيني بغزة جائزة المانح المتميز للأنوروا بوصفة أول شخصية عالمية تحصل على هذه الجائزة. وأتت هذه الجائزة تقديراً من الأنوروا لجهود سموه وإسهاماته الكبيرة في العمل الإنساني من خلال ما تقدمه اللجان والحملات الإغاثية السعودية بإشراف سموه بشكل عام وما تقدمه حملة خادم الحرمين الشريفين لإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة واللجنة السعودية لإغاثة الشعب الفلسطيني بشكل خاص من برامج إغاثية ومشروعات إنسانية، وتعاون مشترك مع المنظمات الدولية في تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني وتغطية العديد من برامج ونشاطات الأنوروا؛ لتقوم بدورها الإنساني على أكمل وجه تجاه تلبية حاجة 70 في المائة من المتضررين من أبناء الشعب الفلسطيني في الخدمات الإغاثية، والتعليمية، والإيوائية، والصحية والاجتماعية.
جولات خادم الحرمين الشريفين في عدد من الدول الكبرى والدول المؤثرة تشهد على اهتمام المملكة ونصرتها للشعب الفلسطيني
لم يقتصر هذا الدعم على مساندة أبناء الشعب الفلسطيني مادياً بل وقفت المملكة معه في كل خطواته التي تكفل له استعادة حقوقه، وبادرت المملكة بمتابعة هذه الحقوق مطالبة بها وشرحاً لعدالتها في كل لقاء ثنائي يتم مع قيادتها وقادة وزعماء دول العالم، منطلقة من القاعدة التي أرساها مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في خدمة دينه وأمته الإسلامية. وأقرب شاهد على ذلك جولات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - السابقة في عدد من الدول الكبرى والدول المؤثرة في الشرق الأوسط، بما فيها راعي السلام الولايات المتحدة الأمريكية، وما قام به - حفظه الله - من جهود تجاه القضية الفلسطينية وتأكيد عدالتها وعدالة حقوق الشعب الفلسطيني.
تلك مجموعة من الأهداف الرئيسية عملت المملكة العربية السعودية على تحقيقها، وجملة من المسؤوليات اضطلعت بها في مواقفها الثابتة نحو القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه - حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
إن المملكة دأبت دوماً على الدعم المتواصل للقضية الفلسطينية؛ حيث كانت مواقف الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - رحمه الله - الثابتة والمساندة لهذه القضية تجسِّد أعلى درجات المسؤولية انطلاقاً من مسؤوليته عن الحرمين الشريفين وانتهاء بمسؤوليته عن أولى القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصى والقدس الشريف.