في الملتقيات المتزامنة الجلسات التي تتناول محاور متعددة, والملتقيات الكثيفة الفعاليات مضغوطة في زمن مختصر, يصبح أهم ما يركز عليه المتابع الجاد هو تخير أي الجلسات ينتقي ليحضر دون أن يطاله إجهاد الجلوس المتواصل لساعات طويلة.
ورغم أننا ننتقي بحرص ما سنعطيه الأولوية في خيارات الجلسات التي سنتابعها, منتقين غالبا تلك التي تتناول موضوعاً ساخناً أو يشارك فيها المشاهير أو المتميزون، إما بما نظن أنهم سيفيدوننا به من معلوماتهم، أو ما سيسلوننا بمهاراتهم الخطابية، الحقيقة أننا نتفاوت في التخير والتقييم بناءً على تفضيلات وميول شخصية.
والحقيقة الأقل بروزا أن أهمية ما نتخيره منها ترتبط بالنتائج وليس بالخيارات المبدئية. فكثيراً ما يخذلنا المشاركون لأنهم لا يأتون بما يدفع الذهن للتفكير، بل قد يركزون على ما يدفع الأكف للتصفيق أو يثير غضب الانفعال الجماعي - العاقل وغير العاقل رفضاً للتعميم والاستهداف أو سوء التفسير وقصدية التبرير.
الحمد لله لم يضيع جهد منتدى الإعلام الحادي عشر في صخب الخطابيات المعتاد والذي يبحث عنه ويطرب له البعض. وكانت المواضيع المتخيرة على مستوى توقع الفكر النخبوي الباحث عما يضيف معلومة تساهم في توضيح الصورة لا زيادة البلبلة العربية. كان هذا ما يوافق مطلبي وأتوقع أنه مطلب غالبية الحضور النخبوي الذي تجاوز استحثاث التصفيق الإعلامي والمحلل الجاد يبحث عما يستثير تفكيره وليس انفعاله للتصفيق. وما ينتقيه أي منا ليبقى متفاعلاً في الذهن على معترك التفكير والتحليل يتم بصورة لا واعية، وغالباً لا يتعلق بأهمية الشخص الذي أعلن شيئاً ما, بقدر ما يتعلق بأهمية وعمق ما قال في حد ذاته مرتبطاً باهتمامات وتوجهات السامع.
كثير من «النجوم» يفضلون السلامة ويقدمون كلاماً مثالياً حيادياً أو متحيزاً معروفاً يتقبله الرأي العام, وقلما يمثل حقيقة آرائهم الشخصية؛ ونخبة نادرة من «المطلعين» يطرحون المستجدات «المتوقعة» إما لأن الآخرين غير مخولين أن يعلنوا عنها أو لأنها قد لا تتجسد لكونها في طور المداولات بعد. يبقى بعد هذا تلك الدرر القليلة التي تومض فجأة دون توقع من مصدر ما لتضيء جانبا من أفكارنا وتطلق حركة التفكير والتفاعل.
في منتدى دبي للإعلام كان أهم ما حرّك تفاعل تفكيري شخصياً 3 تفاعلات هامشية مقارنة بالمحاور الرئيسية وبريق المحاورين النجوم: الحدث الأول تكرار أحد الحضور أكثر من مرة طلب الميكروفون والتشبث به للتعليق, وإعلان رأيه -بشكل خطابي- حول خطأ اختيار بعض المشاركين وترحيب الحضور بهم!. لم يلحظ أنه أكد أن كل توجه سوى ما يعتنقه هو غلط، وأنه يعمم حين يعطي لنفسه تميز الكلام بصيغة الـ»نحن» المعظمة للذات الفردية. ولا أعرف شخصياً من كان يقصد بـ»نحن» هذه في حين لم يصفق لكلامه سوى قلة من الحضور.
والحدث الثاني أسئلة دراسة وزعها دكتور متخصص في الإعلام بأحد الجامعات العربية غير الخليجية لاستطلاع آراء وتقييم الحاضرين لثورات «الربيع العربي». ذكر فيها تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا ولم يذكر البحرين! تساءلت بيني ونفسي لماذا استثناها من استبيانه للآراء؟.. وهل ستكون نتائجه مقبولة علمياً حين يعممها عربياً؟.
والحدث الثالث لقاء عفوي أسعدني بحوار بيني واثنين من أصغر الإعلاميين سناً.. قرروا تأسيس مجموعة الإعلاميين الشباب من سن 9-17. تذكرت طفولتي وعشقي للكلمة وآمنت بمواهبهم ودعوت الله أن يوفق خطاهم ويبقي طموحهم نقياً من الشوائب وحماسهم متقداً وفاعلاً لا مفعولاً به. كل عام والمنتدى والقائمون عليه والمشاركون فيه بخير.