حينما تتضافر الجهود، ويجتمع الشتات، ويلتئم الشمل، وتقوى الروابط تتحقق -بإذن الله- الأهداف، وتنشأ القوة والمكانة التي يحسب حسابها البعيد والقريب.
الأوطان كالأجساد، ولا يمكن لجسد أن يكون قوياً فاعلاً إلا إذا التأمت أعضاؤه، وتوحدت أهدافه، وكذلك الوطن لا يمكن أن يكون قوياً مرهوب الجانب، مرتفع المقام إلا إذا كان ملتئماً كالتئام الجسد الواحد.
كانت جزيرة العرب في أسوأ حالات الشتات، والشقاق، والصراع الدامي، وكانت مهزوزة الكيان، ضعيفة الجانب، تتلاعب بها أيدي الفرس والروم فلما وحدها الإسلام بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، أصبحت تلك القوة العظيمة التي رفعت لواء الحق في كل مكان.
وكانت جزيرة العرب - أيضاً - في أسوأ حالات الشتات والشقاق والخلاف حتى هيَّأ لها الله - في معظم مساحتها الفسيحة - أن تجتمع تحت راية التوحيد وأن ترفع شعار العقيدة الواحدة الصافية، وتجعل الإسلام منهجاً معلنا لها، فأصبحت تلك المناطق المتباعدة، المتنازعة تحت مظلة واحدة عرفت بالمملكة العربية السعودية، دولة ذات كيان مستقل ومكانة خاصة، ولولا توحدها واجتماعها لظلت في شتاتها وتمزقها وضعفها. ولو أن العالم العربي استطاع أن يجمع شتاته، ويلملم دوله ودويلات التي تتقاذفها أمواج الأحداث، ويتلاعب بها وبثرواتها وشعوبها الأعداء من داخلها وخارجها، لأصبح دولة منيعة الجانب عظيمة الأثر، قوية صامدة، فكيف لو أن ذلك الاتحاد الشامل تحقق للدول الإسلامية كلها؟؟
ذلك هدف بعيد، أما الهدف القريب فإنه يتمثل في تحقيق اتحاد يبن أكبر عدد ممكن من الدول المتجانسة المتجاورة التي تتعرض لمكائد الأعداء، وإرجافهم وخططهم المعلنة وغير المعلنة التي تهدف إلى تمزيق الممزق، وإضعاف من لديه شيء من القوة.
لقد كان التئام دول الخليج العربي في دائرة مجلس التعاون الخليجي خطوة مهمة تحقق بها كثير من المصالح، ودُفع بها كثير من الشر، بالرغم مما يؤخذ على هذا المجلس التراخي في إنجاز بعض جوانب هذا الالتئام لأسباب مختلفة أشار إليها من كتبوا عن هذه التجربة الرائدة.
ولأن تأتي فكرة الاتحاد بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين بعد هذه الموجات العارمة من الفتن التي يثيرها الحاقدون والمغرضون المرتبطون بدول ذات مطامع معلنة، ومخططات مشهورة، وخطوات عملية تجري هنا وهناك.
الاتحاد قوة وهيبة ومكانة، فإذا قام على الحق والأهداف الواضحة سياسياً وعسكرياً، وجعل شرع الله رائداً ومنهجاً، أصبح اتحادا عظيما، وإنجازاً كبيراً صامداً في وجه الأعاصير.
هذا الاتحاد بين مملكتين متجاورتين متآلفتين شريكتين في المواقف والهموم خطوة مباركة، أسأل الله أن يجعل فيها خيراً وأن يجعلها سابقة لخطوات لاحقة يتحقق بها الاتحاد بين دول المنطقة، فهو الطريق الأمثل لمواجهة الجوائح السياسية والعسكرية التي نرى جميعاً دخانها، ونسمع جميعاً ضجيجها.
إشارة:
يَدُ الخليج إذا امتدَّت لخالقها
فلن يدنِّسها بالغدر أفَّاق