الاغتراب وضعية يشعر معها الإنسان أنه في مكان لا ينتمي له، وتسيطر عليه مشاعر القهر والظلم من جراء النبذ، فهو غريب يواجه نفسه والآخرين، ولعل أشد أنواع الاغتراب ما يعانيه أصحاب السلوكيات الشاذة والغريبة، والتي يرفضها المجتمع لأسباب دينية، أو اجتماعية، أو مناصرة للعرف والتقاليد.
ولا شك أن العنصر المرفوض يسعى إلى القبول حتى يصل إلى حد معين من المحاولات، لكنها لن تستمر، لأنها بمثابة ضغط هائل ينتهي بانفجار لا يعد بخير، وفي أبسط أحواله يمكنه أن يمزق الحياء والأدب والحب، ويظهر وجه التمرد السافر والمتحدي، فالرفض القاطع لهم، ومحاربتهم وتعقبهم كأنهم مجرمون، يمهد الطريق لتحويلهم إلى أعداء محتملين للمجتمع والدين.
على السبيل المثال لا الحصر سنتحدث عن “البويات” وهو الاسم الدارج لأحد أطراف الجنسية المثلية بين الإناث، ويمكن تعميمه بعد ذلك على بعض الانحرافات السلوكية الجنسية التي لا يتعدى ضررها الشركاء وحدهم، دون تبعات تذكر على الآخرين، ولا يمكننا أن نزعم أنها تحولت إلى ظاهرة لعدم وجود دراسات أو احصائيات دقيقة، إنما نستطيع أن نتحرى العلاج لوجود إشارات، وأجراس إنذار تقرع على استحياء، في المدارس والجامعات والتجمعات النسائية، وبعض وسائل الإعلام.
لن أناقش أسبابها وسأتركها للمختصين، وأكتفي بملاحظة شيلدون كاشدان حول التفسيرات السيكلوجية للجنسية المثلية: “أن كثيرًا من حالات الجنسية المثلية سبق أن تعرضوا للإغراءات الجنسية المثلية حين كانوا لا يزالون أطفالاً صغارًا” وأظن رأيه متوافق مع أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالتفريق بين الأطفال في المضاجع ولم يستثن نفس الجنس سواء كانوا إناثًا أو ذكورًا، وبالتالي يمكن للشذوذ أن يبدأ مبكرًا، وما يهمني هنا حقًا، هو دور الفرد العادي، ويمكن ملاحظة أن المجتمع بدأ يشن حربًا على “البوية” وإن كانت في بدايتها، لوضوح معالم الشذوذ عليها، ولست أدعو للتجاوز عنهن، إنما احتواء هذا الخلل لا يكون بالحرب والنبذ، حتى لا نصطدم يومًا بوجود تنظيمات وتجمعات خاصة بهن، ولا نخلق قوة طاردة يقابلها قوة أخرى جاذبة في مكان خطير، يمكن أن يجمع المشاركة والتجديد، ومن ثم نواجه سلسلة لا تنتهي من تطور الانحرافات والفساد الذي يصعب السيطرة عليه.
ويبقى الشذوذ في أغلب حالاته، مجرد إشباع احتياجات عاطفية وجسدية، فكيف نساعدهم لتحقيق الإشباع الطبيعي، ونحمي الفطرة دون أن نخلق في طريقنا ناقمين أو مجرمين؟
أترك الإجابة لكم.
amal.f33@hotmail.com