في جولة في أحياء الرياض وخصوصاً في الشوارع عرض 36 نجد مجموعة كبيرة من البنايات بها آلاف الشقق الشاغرة وضع عليها لوحات للتأجير أو للبيع، ورغم الحاجة للسكن إلا أن هذه البنايات ما زالت شاغرة منذ أشهر وربما سنوات. والسؤال لماذا لم تؤجر رغم حاجة الناس إلى المسكن، لا شك أن السعر له دور كبير ولكن ليس هوا العامل الوحيد ويتبين ذلك جلياً عند الدخول في إحدى هذه الشقق.
السبب الرئيسي في عدم استئجارها أو شرائها رغم الحاجة هو طريقة تصميم هذه الشقق أو الوحدات السكنية، فهي بتصميمها الحالي لا تصلح للاستهلاك الآدمى بسبب عدم وجود إضاءة طبيعية كافية و عدم وجود تهوية كافية، هي عبارة عن صندوق مربع لا حياة فيه مليء بجدران تفصل كل جزء من المنزل، شعور الكآبة هو القاسم المشترك بين من يدخل كل هذه البنايات. أموال أهدرناها بدون سبب سِوى جهلنا بالتطوير العقاري و تقديم منتج صالح للسكن وذلك لرغبة صاحب العقار في توفير قيمة التصميم. فالمشكلة تبدأ من التصميم حيث يتجاهل صاحب العقار أهمية التصميم، وعادة ما توكل مهمة التصميم لأبو محمود المقاول، الذي سيذهب به لصديقه المهندس أبو إياد لتصميم مبنى مكون من ثلاثة أدوار بمبلغ خمسة آلاف ريال. وبعد أن يوافق المالك على التصميم والذي كان أهم عامل لقبوله هو السعر والحصول على أكبر قدر من الشقق واستغلال جميع المساحات للتأجير، يتم تنفيذ المشروع. وعند الانتهاء من العظم، يتم إسناد مهمة التصميم الداخلي إلى أبو محمود أيضا وذلك باختيار التشطيبات المناسبة على أن تكون أرخص الموجود في السوق.
يذهب أبو محمود إلى أبو أحمد في طريق الخرج ويطلب سيراميك «ستوكات» بأي لون كان، وغالباً الستوكات تكون الألوان القبيحة التي لم تباع، زهري أحمر برتقالي، ونفس الفكرة تكون في المواد الصحية والبويات، والقاسم المشترك بينها هو الرخص والقبح. ومن ثم ينتهي المبنى بجودة رديئة، والنتيجة مسكن كئيب تتعذر بأي مشوار للخروج منه، مسكن بدون أماكن مفتوحة أو أماكن للعب الأطفال أو ليقضي نساء المبنى وقتاً مع بعضهم أو مع أبنائهم في مكان مشترك للجميع للتعارف وقضاء وقت ممتع.
لقد تغيرت أذواق الناس وأصبح جيل الشباب مطلع على أفضل الوحدات السكنية في العالم وأصبح يطمح لمنزل أفضل، وإذا ما أراد صاحب العقار أن يحصل على شريحة أكبر من هولاء الشباب فيجب أن يوفر ما يطمحون إليه في المسكن. مئات الملايين أو ربما مليارات الريال نخسرها بسبب عدم فهمنا لحاجة العميل. وما يجب على المستثمر ووزارة الإسكان والأمانات هو وضع ضوابط وشروط للتصاميم تكون صالحة للاستهلاك الآدمي. مساكن شاغرة مثل هذه هي خسارة على التاجر وعلى اقتصاد البلد وحتى على المواطن فقد شغلت أرض قريبة كان من الممكن أن تستغل بطريقة أفضل.
المسكن غير الملائم يؤثر على نفسية الناس وعلى إنتاجيتهم وحتى على تعاملهم مع الغير، ولا أستبعد أن كثرة حالات الطلاق لدينا أحد أسبابها كآبة الشقق التي يسكنها العرسان الجدد.
BawardiK@