|
الجزيرة - الرياض:
شهدت الأسواق المالية الخليجية تقدُّماً إيجابياً بأساس متزايد خلال الربع الأول من عام 2012، مؤدياً بدوره إلى استمرار الانتعاش الاقتصادي، الذي بدأ يتشكل في النصف الثاني من العام الماضي. ويبدو الزخم الإيجابي على نحو خاص واضحاً في الإقراض البنكي وأسواق صكوك. وعلى النقيض من ذلك، فإن انتعاش سوق الأسهم الثانوية لم يتم تفسيره حتى الآن إلى انتعاش ملموس في الاكتتابات الأولية. ويقول كبير الاقتصاديين بالبنك الأهلي التجاري الدكتور يارمو كوتيليني: اعتمدت هذه التوجهات المشجعة إلى حد كبير على التقدم الملحوظ في الاقتصاد الإقليمي الذي استفاد من التحول إلى نموذج نمو أكثر شمولاً ينطوي على إنفاق حكومي متزايد وتقدم إيجابي في أسعار النفط ومستويات إنتاجه، وساعد ذلك في تهدئة المخاوف إزاء استدامة الاستقرار المالي.
وقد أكدت الأسواق المالية الخليجية مراراً وتكراراً أنها حساسة تجاه الثغرات الخارجية، وأن أياً من الصعوبات المتجددة في المنطقة الأوروبية ستُثير مخاوف تقليص الطلب على النفط، في حين أن تكلفة التمويل ستدفع الجهات المصدرة له إلى تأجيل خططهم بالتوجه إلى أسواق المال. وبناءً على ذلك، فإن السيناريو الرئيسي للأسواق المالية الإقليمية يظل سيناريو متوتراً ما بين الصورة الإقليمية الجيدة عموماً والصدمات الخارجية. ومن المتوقَّع أن تتواصل هذه النوبات حتى وإن كانت في سياق إيجابي.
ولعل أكثر الجوانب تشجيعاً من بين التطورات الأخيرة في الأسواق المالية لدول مجلس التعاون الخليجي هو الارتفاع المستمر في الإقراض البنكي، رغم أن العوامل الخاصة بكل دولة على حدة لا تزال تلعب دوراً تمييزياً مهماً. وعلى نحو خاص، تناضل دولتا الكويت والإمارات العربية المتحدة على الأخص من أجل إنشاء قوة دفع، السبب في الأولى هو التأجيلات في الإنفاق على المشاريع بسبب دوافع سياسية، في حين أن السبب في الثانية يعود إلى بطء نمو الودائع، إضافة إلى التشريعات التنظيمية المتشددة التي تعيق ذلك. وبخلاف هاتين الدولتين، فإن وتيرة النمو السنوي للائتمان في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى متماسكة وفي تزايد مستمر. وحسب ما جاء في عبارات كوتيليني: «الآفاق الاقتصادية إيجابية والقطاع البنكي متماسك بصلابة، مع سيولة وافرة لتحريكها في السوق، خاصة أن البنوك قد عالجت مشكلة الديون المتعسرة إلى حد بعيد، التي حدثت أساساً بسبب الانخفاض في الدورة الاقتصادية. وسيستفيد الإقراض أيضاً من أسعار الفائدة المتدنية نتيجة ربط العملات بالدولار، رغم أن العوامل الخارجية ما زالت تسيطر على احتمالية حدوث ثغرات». وشهدت المملكة خلال الأشهر الثلاثة المنتهية بشهر فبراير من عام 2012 إجمالي قروض مرتفعاً بنسبة 16.5 % عن الفترة نفسها من العام الماضي مقارنة بنمو بمعدل 1.6 % على أساس سنوي في دولة الإمارات العربية المتحدة في شهر ديسمبر من عام 2011.
ويتمثل التطور الآخر من خلال صعود أسواق صكوك على نحو إيجابي في الأشهر الفائتة؛ حيث إن إصدار ما قيمته 8.6 مليار دولار من الصكوك في دول مجلس التعاون الخليجي يمثّل انتعاشاً حاداً مقارنة بإصدارات بقيمة 3.3 مليار دولار في الربع الرابع من عام 2011، رغم أنها أقل قليلاً عن مجمل الإصدارات في الربع الأول من عام 2011، وهو 10.7 مليار دولار. وقد استفادت الإصدارات الإقليمية من ارتفاع الطلب؛ حيث تجاوزت حد تغطية الاكتتاب؛ ما يشير إلى سيطرة إصدارات السندات من الدرجة الأولى. وقد تميز الربع الأول من السنة الحالية بأداء قوي خاصة في المملكة، التي أصبحت الآن أكبر سوق مصدرة للصكوك من بين دول مجلس التعاون الخليجي؛ ما هزّ المكانة الريادية التاريخية لدولة الإمارات العربية المتحدة في أسواق صكوك. وعلى الرغم من الزخم الإيجابي المتصاعد، لا تزال دول مجلس التعاون الخليجي متخلفة بشكل كبير عن الحجم الكلي للإصدارات في ماليزيا، حيث عادة ما تصدر ماليزيا نحو ثلاثة أرباع إجمالي إصدارات الصكوك عالمياً.
وشهد الربع الأول من سنة 2012 تطورات تمثل فوارق مهمة، ومن أبرز تلك التطورات أول إصدار صكوك مضمون من قِبل حكومة المملكة؛ حيث أصدرت الهيئة العامة للطيران المدني لمطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد في مدينة جدة إصداراً وصل تقريباً إلى 15 مليار ريال (4 مليارات دولار) ومدة استحقاق تبلغ 10 سنوات. ويُعَدّ هذا الإصدار أكبر إصدار من شريحة واحدة في تاريخ الإصدارات بالمملكة متجاوزاً حد اكتتابه بمقدار 3.5 ضِعْف، على الرغم من نسبة الربح المنخفضة، وتبلغ 2.5 % فقط. وقد اعتمدت مؤسسة النقد العربي السعودي الإصدار بترتيبات اتفاقية إعادة شراء دون مخاطر لحسابات كفاية رأس المال. أيضاً أصدرت الشركة السعودية للكهرباء أول إصدار صكوك عالمي لها بقيمة 1.7 مليار دولار، كما تمت تغطيته بقيمة تزيد على 17.5 مليار دولار. ومن التطورات الأخرى، توجُّه بعض الشركات حديثاً إلى أسواق صكوك، وأبرزهم شركة المراعي لمنتجات الألبان التي تحصلت على مليار ريال (266.6 مليون دولار)، إضافة إلى مجموعة ماجد الفطيم لتطوير الأسواق التجارية من دولة الإمارات العربية المتحدة بإصدار قيمته 400 مليون دولار. ومن المرتقب أن ترد إصدارات مماثلة لشركات أخرى.
وعلى نحو مماثل شهدت أسواق السندات أداء ربعياً جيداً بعد أداء متقلب إلى حد كبير في عام 2011. وبلغ إجمالي حجم نشاط السوق الأولية ما يعادل نصف قيمة الحجم في الربع الرابع من عام 2011؛ حيث وصل إجمالي الإصدارات في الربع الأول من العام الجاري 5.9 مليار دولار، وشمل ثماني شركات مقارنة بحجم إصدارات كلي بلغ 11.9 مليار دولار في الربع الرابع من عام 2011 (باستحقاقات زمنية تتعدى العام الواحد)، وإجمالي إصدارات بقيمة 9.4 في الربع الأول من العام الماضي. ومن الواضح أن نشاط إصدار السندات يرتبط ارتباطاً قوياً باحتياجات إعادة التمويل والتوسع، وخصوصاً لدى شركات القطاع المالي، كما أنه لا يزال حساساً تجاه البيئة الأشمل في السوق. وقد قدَّم الربع الأول من هذا العام نافذة فرص، مع احتمالية ظهور تحديات جديدة مستقبلاً؛ لوجود صعوبات في إعادة التمويل في دبي، التي تبلغ مديونيتها المستحقة السداد 15 مليار دولار هذا العام. ويميل السوق حالياً لتفضيل الصكوك على السندات؛ حيث لها مردودات تُعتبر الأدنى تاريخياً. ويعكس انخفاض مقايضات تخلف السداد الائتماني تحسناً ملحوظاً، وقد جاء أبرز تحسن على هذا الصعيد في دبي، وأسوأ تدهور في البحرين.
وشهدت أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي نمواً استثنائياً؛ حيث اتسم الأداء في الربع الأول من هذا العام بانتعاش متزايد، كما ارتفع سوق الأسهم الذي بدأ يتشكل في الأشهر الأخيرة من العام الماضي. وتصدرت المملكة ودبي هذا المجال بمكاسب تزيد على 20 % خلال الربع الأول من عام 2012. غير أن المكاسب في الدول الأخرى ظلت منخفضة أو شبه معدومة.
ومن الجدير بالذكر أن نشاط الاكتتابات الأولية متخلف كثيراً عن زخم السوق الثانوية؛ حيث شهدت المنطقة اكتتابين جديدين فقط خلال ربع السنة الأول، وكلاهما في المملكة، ووصلت القيمة الإجمالية للاكتتابات الأولية في الربع الأول من هذا العام عند مستوى 78.4 مليون دولار فقط، وهي قيمة تقل كثيراً عن الإجمالي المتواضع للإدراجات الثلاثة الحديثة بقيمة 212.2 مليون دولار. في حين أن الربع الأول من عام 2011 شهد اكتتاباً واحداً فقط بقيمة 17.9 مليون دولار.