في اتصال تلفوني على البث المباشر طلب مني مذيع أخبار الرابعة في قناة العربية الأستاذ محمد الطميحي التعليق على بعض ما كتبته قبل يومين عن التحول من التعاون إلى الاتحاد بين دول مجلس التعاون الخليجي. تركز طلب التعليق على احتمالات استحواذ الأكبر على الأصغر، ولا أقول الأقوى على الأضعف لأن هذا المفهوم لا يوجد أصلاً ضمن المفاهيم السياسية والاستراتيجية لدول مجلس التعاون.
الموجود هو أن كل أعضاء المجلس يحسون بوطأة التقلبات السياسية والاستراتيجية من حولهم وبدؤوا يحسبون لها حسابات أدق بكثير من حسابات الماضي، مثلما أنه اتضح لهم بالضرورة أنهم أصبحوا في أمس الحاجة إلى بعضهم البعض.
حين قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من جزيرة أبو موسى قبل أسابيع قليلة أن أولئك الذين ينكرون تسمية الخليج بالفارسي لا حضارة لهم، لا بد أن هذا الكلام الجابه والمستخف بالحضارة العربية دق أجراساً مجلجلة في آذان قادة مجلس التعاون.
حين يرى أعضاء مجلس التعاون أن الغزو الأمريكي البريطاني للعراق تحت راية نشر الديموقراطية ونزع أسلحة الدمار الشامل قد انتهى فعلياً بتقسيم العراق إلى ثلاث وجبات، تسلمت إيران منها وجبة سمينة والكرد وجبة دسمة وبقي للعرب تراب الصحراء اليباب، فلا بد أن ذلك جعلهم يتذكرون أدبيات المحافظين الأمريكيين الجدد لما قبل الغزو حول التفكيك وإعادة التركيب.
مع ثورات الربيع العربي هبت رياح التقسيم على ليبيا ورياح الفتن الدينية والمذهبية على البحرين ومصر، وتوشك نفس الرياح على بعثرة سوريا إلى دويلات سنية وكردية وعلوية.
أتوقع أن هذه الاحتمالات التفكيكية لا تغيب عن أذهان القيادات الخليجية، ولذلك عقدوا العزم على الاستعداد لها قبل أن تدهمهم على حين غرة. هذا الخطر الإستراتيجي السياسي الجديد يقدم المبرر الأقوى والأهم لتحويل مجلس التعاون إلى دولة اتحادية لتحسين فرصها في المقاومة والصمود. لكن هل سيترتب على هذا الاتحاد مخاوف من استحواذ الأكبر على الأصغر بما في ذلك التدخل في العقائد والمذاهب وتغيير المفاهيم والعادات والتقاليد الاجتماعية وسحب عجلات الانفتاح الحضاري الحاصل عند البعض إلى الخلف في اتجاه الانغلاق الاحترازي المحافظ عند البعض الآخر. هذه التساؤلات كانت محاور الأسئلة التي وجهتها لي قناة العربية، وقد حاولت الإجابة على ذلك بالقناعات الشخصية التالية: أولا: نسبة الشباب في دول مجلس التعاون الخليجي تتعدى الستين بالمائة، والانفتاح الحضاري والتكنولوجي والتعايشي هو الهم الأول للفئات الشبابية، وهذا ما نراه في الشوارع والجامعات وعلى الفضائيات وساحات التواصل الاجتماعي بشكل كاسح. بهذه التركيبة والعقلية السكانية يصبح من غير المعقول أن يستطيع المتشبث بالماضي التحفظي المنغلق إحداث تأثير ذي بال في فكر وعقل الشباب المتعطش للانطلاق نحو مصادر القوة والتحرر من الوصاية التي أوصلت الأوضاع العربية إلى ما وصلت إليه، وهي أوضاع ضعف وقلق وخوف من المستقبل. المتوقع هو العكس، بمعنى أن تتأثر التركيبات الاجتماعية المحافظة القلقة بعقلية التركيبات الاجتماعية المتفائلة الواثقة بقدراتها على إحداث الفرق الحضاري لصالح المستقبل والانفتاح والتعايش مع العالم.
ثانيا: فكرة الاتحاد بذاتها نابعة من الشعور المتبادل بالحاجة المتبادلة، والأخطار التي تهدد الجميع ماثلة أمام الجميع، على الأقل على مستوى النخب القيادية والأمنية والسياسية والدينية المستنيرة والثقافية ورجال الأعمال. هل يبقى مع هذا الشعور المتبادل بالحاجة إلى التضامن مكان للاصطياد في الماء العكر؟
ربما، ولكن مثل هذه المحاولات سوف تقمع بسرعة فائقة تستند على تشريعات اتحادية تتوقع مثل هذه المحاولات قبل كتابة دستور الاتحاد.
ثالثا: وحتى لو افترضنا جدلاً تأجيج مثل هذه المخاوف الاستحواذية التسلطية من قبل بعض المتضررين فما هي البدائل عن الاتحاد؟
كيف يستطيع الرافض أو الرافضون لفكرة الاتحاد مواجهة التهديدات المحدقة بهم؟
إذا كانت بعض دول مجلس التعاون لا تمتلك سوى خمسة عشر بالمائة من سكانها الأصليين والبقية أجانب، كيف سوف تحمي نفسها ومواطنيها عندما تجد نفسها تقف عارية لوحدها أمام أي خضات أمنية أصبح احتمال حدوثها أكبر من أي وقت مضى، ناهيك عن احتمالات نشوب حرب خليج جديدة. سألت قناة الحرة قبل شهرين أو ثلاثة أحد ضيوفها عن احتمالات الربيع العربي في دول مجلس التعاون فأجاب بدهاء: هل تقصد احتمالات الربيع الهندي؟ إن عدد سكان الخليج العرب يا صديقي لا يكفي لإحداث ربيع عربي. سلام على اتحاد عربي خليجي يستقوي بمكوناته الأصلية ويقدم نموذجاً يحتذي به للإخوة العرب الآخرين.