لنا سجل حضاري لكن الآخرين لا يريدون أن يعترفوا به، ويريدون منا دائماً أن نكون في آخر الركب أو الصورة الذهنية عن الصحراء والخيمة والجمل والرمل.. المملكة وهي تعيش هذه الأيام ذكرى بيعة خادم الحرمين الشريفين صورة مختلفة عن المخيلة السابقة رغم أننا كنا فيما مضى معبراً آمناً لقوافل الحج والتجارة والتواصل الحضاري الذي كان يربط ما بين القارة والمحيط الهندي بكل حضارته الهندية والصينية وبين البحر الأبيض المتوسط بكل حضارته الأوربية، ولم نكن على هامش التاريخ الحضاري، نحن كنا الوسطاء وكنا البحارة والأدلاء في الصحراء والشركاء التجاريين في الموانئ ومحطات القوافل, ورغم ذلك أسقط حقنا الحضاري عن تلك الرعاية وما قدمناه..
الآن نحن وسطاء في التجارة الدولية وشركاء في الاقتصاد العالمي وأصحاب حضارة روحية وثقافة عريقة بفضل الله وما أعطانا من نعمه وأكرمنا بأن نكون رعاة للأماكن المقدسة والتاريخ الإسلامي ومهبط الوحي وقبلة المسلمين, ومن خلال سجلنا الحضاري والاقتصادي في عهدنا الزاهر في ظل قيادة الملك عبدالله -حفظه الله- والقيادات التي حكمت بلادنا وجعلته بفضل العلي القدير في مصاف الدول المتقدمة ومن الشواهد:
أولاً: لم نكن نحن عربياً وإسلامياً الوحيدين ملاك النفط وهناك دول تشاركنا في منابع النفط: العراق وليبيا والجزائر وإيران حافظنا على مكتسباتنا بحمد لله والدول النفطية تعيش الآن إما الفوضى أو الاضطرابات والقلاقل وعدم الاستقرار.
ثانياً: هناك دول يجري فيها أكثر من نهر أو هي بلاد مطرية لا تغيب عنها السحب الماطرة وأنهارها تجري بلا توقف: مصر نهر النيل, السودان النيلين, العراق دجلة والفرات, وسوريا بردى, ولبنان أكثر من نهر, أما البلاد الماطرة والغابات: اليمن، الجزائر, تونس الخضراء ورغم تلك الخيرات البيئية والتميز الجغرافي والمناخي لتلك الدول وشحها لدينا فإننا نجحنا بعد توفيق الله في إيجاد الأمن الغذائي والحد الأدنى من وفرة المزروعات, وبلادنا بلا أنهار عذبة ولا بحيرات وتعيش زراعتنا على مخزون المياه الجوفية والطبقات الحاملة للمياه المحلية والعابرة.
ثالثاً: كنا قبل نصف قرن علمياً في زمن الكتاتيب والتكايا والزوايا وتعليم المساجد ودور المحسنين وإذا أردنا تعليماً عالياً وجامعات نتجه إما إلى الشام أو مصر أو العراق لتلقي التعليم الجامعي، الآن تعد السعودية من أكثر الدول حضوراً وابتعاثاً في الجامعات الأمريكية والأوربية في الأكاديميات ذات التصنيف العالمي في الجودة, ووصل إحصاء الطلاب السعوديين في جامعات العالم أكثر من (130) ألف طالب وطالبة خلال سنة واحدة وليس خلال قرن كما هو في بعض الدول, وما زلنا نقرأ مذكرات إخواننا العرب وهم يكتبون سيرهم بصفتهم الندرة في الابتعاث رغم قلة أعدادهم، بالمقابل نحن والفضل لله أصبح لدينا أكثر من جيل وبأعداد كبيرة تعلمت في الجامعات الغربية ونقلت الثقافة العلمية إلى بلادنا وقد بدأت رحلات مجموعات الابتعاث من منتصف التسعينات الهجرية السبعينات الميلادية.
رابعاً: كان علاجنا الطبي قبل نصف قرن يتم في أحسن حالاته في البحرين والعراق ومصر وسوريا ولبنان ووجود طبيب سعودي من النوادر والقلائل والآن أصبح في كل أسرة سعودية إما طبيب أو عامل في الحقل الطبي أو في التطبيقات الطبية بل أصبح (زي) الطبيب زياً تقليدياً ودارجاً ينجذب إليه هذا الجيل, كما أصبح لدينا جيل هندسي أعاد هندسة بلادنا معمارياً وتخطيطياً بسماتنا وهويتنا بعد أن كانت منازلنا ومشروعاتنا غريبة عنا ولا تشبهنا..
قيادتنا أحسنت الإدارة وجنبتنا ويلات وكوارث الدول النفطية والخسارة الاقتصادية والزراعية للدول التي أضاعت مياه أنهارها بلا فائدة, أو الدول التي أهدرت حبات مطرها وغاباتها دون استثمار, نحن بمن وصفنا بالخيمة والصحراء والجمل الذي لم يلجم أدرنا بلادنا إيجاباً وحافظنا على مكتسباتنا وحولناها إلى دولة تصدر فيما تصدر المعرفة والخبرات التقنية.