قبل أسبوعين كنت في جدة للمشاركة في ندوة عن الهوية في زمن العولمة في محافظة خلص شمال جدة، وقد لفت انتباهي أن البلاد كلها تقريباً تمثل ورشة عمل للتنمية والتقدم وتنفيذ المشروعات، ففي جنوب مطار الملك عبدالعزيز في جدة ارتفعت في السماء عشرات الرافعات في بداية لتطوير، المطار الذي يعتبر من أكثر المطارات في العالم استقبالاً للطائرات وخاصة في مواسم الحج والعمرة..
... وشرق المطار وفي الطريق المسمى بطريق الحرمين الذي يربط جدة بمكة المكرمة، العمل قائم على قدم وساق لتنفيذ مشروع القطار، فهناك جسور وتحويلات، ومحطات للتهيئة لتنفيذ هذا المشروع العملاق الذي سيربط المدينة بجدة ومكة المكرمة، وسيكون له تأثيره الكبير على التنمية، وعلى حركة النقل، وعلى توفير الطاقة، وتقليل الزحام على الطرقات، والتقليل من عدد الشاحنات العملاقة على الطرق العامة، والتقليل من تلوث البيئة، وفي داخل جدة هناك الكثير من الجسور والأنفاق والمشروعات المختلفة لتسهيل الحركة وحياة الناس، وفي طريقي إلى محافظة خليص شاهدت عدداً من المشروعات هنا وهناك، منها فرع جامعة الملك عبدالعزيز في شمال جدة الذي من المتوقع أن يكون نواة لجامعة مستقلة في المستقبل، وليس ببعيد من هناك تقع جامعة الملك عبدالله ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية، ومشروعات مدينة رابغ، وفي اليوم التالي توجهت إلى مكة المكرمة، فكان مشروع القطار بين مكة وجدة يجري على قدم وساق، وقبل أن أصل إلى الشميسي، شاهدت مدينة كبيرة تقام على يمين الطريق أنشأتها وزارة المالية لأغراض مختلفة منها الإيواء وأن تكون مقراً لبعض الإدارات الحكومية، وقبل أن نصل إلى مكة شاهدنا من بعد برج وقف الملك عبدالعزيز، وساعة مكة التي أصبحت رمزاً عالمياً للتوقيت مثل ساعة (بق بن) في لندن، وحول الحرم كانت الأعمال تجري على مدار الساعة لإنجاز أكبر توسعة للحرم المكي الشريف في التاريخ، وفي المشاعر المقدسة عرفات ومزدلفة ومنى، هناك مشروعات عملاقة معظمها تم الانتهاء منه مثل قطار المشاعر، ومدينة الملك عبدالله الطبية، وجسور الجمرات التي جنبت الحجاج الزحام والموت بسبب الدهس، وفي يوم الجمعة توجهت إلى الطائف عن طريق الهدا التي تم فيها تنفيذ مشروع جبار في وقت قياسي وهو مشروع إزدواجية الطريق، وفك الاختناقات التي كانت تتم فيه، وأصبح مناراً ومضاءً، وفي الطائف شاهدت مشروع مستشفى الملك فيصل في موقعه الجديد في الردف، ومشروع جامعة الطائف على طريق الحوية، أما الطريق المزدوج الذي يربط الطائف بأبها الذي وصل الإنجاز فيه إلى ما بعد مدينة بلجرشي، فإنه يعتبر إضافة عملاقة للتنمية في المملكة العربية السعودية، خصوصاً إذا علمنا أن أكثر من 30% من سكان المملكة حسب إحصاء 1394هـ ينتمون للمناطق التي تقع جنوب الطائف، وأن ذلك الطريق كان مقبرة للمسافرين، وقد تحدث الكتاب والشعراء عن المآسي التكانت تقع فيه، منهم الأستاذ حسن محمد حسن الزهراني رئيس النادي الأدبي في الباحة، والدكتور عبدالواحد بن سعود، وكنت دائماً أستخدم ذلك الطريق لشرح نظرية (اوجبرن) عن التأخر الثقافي التي تقول بأن عناصر الثقافة لا تتغير بالسرعة نفسها، فبعضها يتغير بسرعة وبعضها يتغير ببطء، فطريق الطائف أبها أنشئ في وقت لم يكن في القرية الواحدة أكثر من ثلاث سيارات، وبعد الطفرة، تزايدت أعداد السيارات، وأصبح لدى كل أسرة أكثر من ثلاث سيارات، وبقي الطريق على حاله القديم، وكثرت فيها الحوادث وكثر فيه إزهاق الأرواح لكثرة الزحام، ولكن الملك عبدالله أنهى تلك المعاناة بتوجيهاته بازدواجية الطريق، وصاحب ذلك إنجاز طريق الساحل المزدوج، وطريق القصيم المدينة المنورة المزدوج، والكثير من الطرق المزدوجة في الكثير من مناطق المملكة، يضاف إلى ذلك إنشاء عدد من المدن الاقتصادية والسكنية التي أمر- حفظه الله- بإنشائها، وكذلك الجامعات التي شملت جميع مناطق المملكة، وبعد عودتي إلى الرياض شاهدت قريباً من المطار جامعة نورة بنت عبدالرحمن، والتوسع في جامعة الإمام، والتوسع في جامعة الملك سعود، والتوسع الكبير في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية، وجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز في خشم العان، والكثير من الطرق داخل مدينة الرياض، بالإضافة إلى مركز الملك عبدالله المالي، تلك المشروعات التي ذكرتها، والكثير غيرها مما لم أذكره تؤهل الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى أن نطلق عليه لقب (ملك التنمية)، بالإضافة إلى تلك الألقاب التي أطلقت عليه واستحقها بجدارة مثل (ملك الإنسانية)، و(ملك الحوار)، و(ملك النهضة التعليمية)، لقد حاول- حفظه الله- أن تسير التنمية بخطوات متوازنة ومتوازية مع التركيز على قطاعين رئيسيين هما قطاع النقل، وقطاع التعليم، فالطرق المزدوجة، وبناء الجامعات والمدارس وتطويرها والتوسع في البعثات التعليمية، تشهد نهضة لم يسبق لها مثيل في البلاد. فالطرق هي شرايين التنمية، والتعليم هو عقلها المسير لها، وهو الرافعة الرئيسة للتنمية، وإذا نجحت البلاد في هذين المجالين فسوف تنجح في المجالات الأخرى إن شاء الله.
zahrani111@yahoo.com- أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام