يرفع المرشحون في أية حملة انتخابية شعارات كثيرة ومتنوعة، «يغازلون» بها الناخبين؛ لكي يحصلوا على أصواتهم. ولكن أياً كانت شعارات هؤلاء المرشحين فإن شعارهم الحقيقي يجب أن يكون «كلام الليل يمحوه النهار».
هذا لا يعني بالضرورة أن جميع المرشحين في جميع أنحاء العالم هم مخلوقات مفطورة على الكذب أو مصابون بـ»مرض الكذب»، وهو مرض معروف يسمونه pathological lying. فالمرشحون قد يكذبون بحسن نية دون أن يشعروا بأنهم يكذبون أو حتى بأنهم مرضى.. وهم يفعلون ذلك في كل مكان، سواء في أمريكا وفرنسا أو في ماينمار وزيمبابوي.. وسواء كان المنصب الذي يجري التسابق عليه هو رئاسة الجمهورية أو رئاسة نقابة جامعي القمامة؛ فالأمور تجري على هذا النحو وحسْب؛ لأن طبيعة الأمور - فيما يبدو - هي في الواقع على ذلك النحو.
أحد المرشحين في انتخبات الرئاسة المصرية يعد الناخبين قائلاً: «نلتزم بالقضاء على الفقر المدقع خلال أربع سنوات».. هذا يعني أن الرجل سوف يتمكن خلال فترة رئاسية واحدة (بحساب فترات الرئاسة الأمريكية) من القضاء على مشكلة أزلية واجهتها البشرية منذ بدء الخليقة، وما زالت تعاني منها حتى الآن..! هو سوف يحل مشكلة عضال عجزت عن حلها ميزانيات دول غنية على مدى عقود.. وقرون! وكل ذلك سوف يتم خلال أربع سنوات في بلدٍ يعاني اقتصادُه من صعوبات كبيرة.
المرشح الرئاسي نفسه يعد جماهير الناخبين بقوله: «نتعهد بدخول مصر عصر التصنيع والتكنولوجيا كقوة اقتصادية صناعية تكنولوجية في السوق العالمية خلال ثماني سنوات». وليس واضحاً ما هو المقصود بقوله «دخول عصر التصنيع والتكنولوجيا»، ولكن يُفهَم من سياق الكلام أن مصر ستدخل كدولة ذات حضور عالمي خلال ثماني سنوات لا أكثر بفضل السياسات الاقتصادية لهذا المرشح.. وهو وعدٌ ينطوي على قدرة على تحقيق معجزة اقتصادية وعلمية تفوق ما حققته اليابان وكوريا وماليزيا.. فهذه الدول احتاجت إلى عقود عدة لتحقيق معجزاتها الاقتصادية والعلمية.
ورغم هذه الوعود الهائلة فكل ما نعرفه عن السياسات الاقتصادية لهذا المرشح هو أنها كفيلة ليس فقط بعدم جذب أي استثمار جديد لمصر بل إنها سوف تخيف أصحاب الاستثمارات الحالية وتدفعهم إلى الهروب خوفاً من التأميم والمصادرة.. فمن أين سيموِّل معجزته الاقتصادية التي يريد أن يحققها خلال ثماني سنوات!؟
إن كان هذا المرشح ومستشاروه وأنصاره هم أنفسهم يصدقون هذه الوعود، ولا يعلمون حقاً أنها مستحيلة التحقيق في الظرف الزمني القصير الذي حددوه، فهم في الواقع يحلمون ويتمنون.. ومن حق أي إنسان أن يحلم، وأن يتمنى، فما أجمل الأماني والأحلام.. ولعل لسان الحال هو قول الشاعر:
مُنىً إن تَكُن حقاً تَكُن أحسنَ المُنى
وإلاَّ فَقَد عشنا بها زمناً رغدا
فالمهم الآن أن ينتخبهم الشعب.. وبعدها يخلق الله ما لا تعلمون..!
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض