الوهم كالرمال المتحركة،الانزلاق فيها سريع والخروج منها صعب للغاية. وهو سلسلة غير منتهية من الاستدراجات يعتقد المنزلق فيها أنها تؤدي إلى نهاية،وهي في الحقيقة تؤدي إلى غرقٍ أعمق!.
أنت مريض أو مأزوم؟!
أمامك طريقان إما أن تنظر لحالتك من خلال رؤية واقعية وتتمكن من تشخيصها،وبذاك تختار الجهة الصحيحة للمعالجة.. أو تذهب بكلك لبائعي الأوهام. من يقنعونك بأن قوى خفية تتحكم بك وأنك متورط في وضع غير قابل للفهم والتفسير، وأنهم سوف يساعدونك بما لديهم من قوى خارقة.
الطريق الأول هو الأصعب،فهو بحاجة لتخطيط ودراسة وفهم مُغاير. أما الطريق الآخر أسهل،ما عليك إلا أن تطرق الباب وتستلم العلاج. أيا كانت معضلتك: مريض،عاطل عن العمل،متأخرة عن الزواج،تخاف من الزحام والأماكن العالية والظلام،تعاني من مشاكل في الإنجاب.. وإلخ إلخ!
العلاج سهل جدا.. بضع خطوات تخلصك من أزماتك. لأنك واحدة من اثنتين إما مسحور أو محسود!.
كلما زاد الوعي وتنوّر العقل كلما ضعف الوهم. تلك علاقة عكسية مؤكدة. لا يمكن أن تذهب لبيوت الدجالين والمشعوذين وتجد زبائنهم صفوة العقلاء. أولئك عقولهم عصية ومدرعة ضد الأوهام.
الواعون يدركون أن الحياة ليست يسيرة وأن ما يمر علينا من نكبات ومعوقات وأمراض ما هي إلا مطبات بحاجة إلى اجتيازها لبلوغ منطقة أكثر سلامة وراحة. الشعور بالمسؤولية هو ما يدفعنا للبحث عن حل. طالما أنني مسؤول عن جسدي فيفترض بي اتباع نمط غذائي صحي،وأن أمارس الرياضة وأراعي كل ما أدخله في جوفي،لأتوقى المرض. وفي حال أصبت به فسأتوجه لمختص يعلم كيف يخلصني من حالتي تلك. بهذا يصبح الواعي هو القائد الأول لحياته..
الجهلاء لا يدركون ذلك،ولا يتجنبون المرض لأن الأمراض بفعل الآخرين،الآخر الحسود الذي يعمد لأن يمرضنا ويعطل حياتنا.. فتصبح حياته رهن تحكّم الآخرين.. الأول يمرضه والثاني يعالجه،وهو غافل تماما ما بين طاقة الحسد والسحر المجهولة وشعوذات الدجال المجهولة أيضا!.
لا أدري حقيقة مسؤولية من توعية الناس ضد التصديق بالأوهام!
الدين يؤكد حقيقة الحسد والسحر ويضع بين أيدينا رقى شرعية وممارسات معينة مضادة لهما..
العلم يؤكد بطلان الاثنين،فلا الحسد ولا السحر يمكن إثباتهما علميا.
بقيت الجماعات المتدينة زمنا طويلا في حالة ركود واعتمادية على الرقى كحلول الشرعية للمعضلات والأزمات والأمراض،وبقي الفرد عاجزا عن النهوض بنفسه مسلما « الشيخ» زمام حياته..
وبقي المجتمع المؤمن بالعلم رهن « الطبيب» وأصبح جوفه مخزنا للعقاقير والأدوية وصار فأر تجارب،خاب أو نجح العلم فالجسد هو المعيار في النهاية. هناك من أودت بحياته العقاقير وهناك من أودى بحياته «الماء المقري عليه»..
الوسطية دائما هي الحل. اللجوء الكامل للرقى خطأ. والاعتماد الكامل على الطب خطأ.
يلزمنا أولاً حين نمر في أزمة أن نشخص الحالة ونتبع سيرة المشكلة منذ بداية حصولها. فالعاطل عن العمل - مثلا - يلزمه أن يراجع شهاداته ومدى مطلوبيتها في سوق العمل،السيرة الذاتية cv . هل هي مكتوبة بشكل مغرٍ لأرباب العمل؟! يفترض به أن يسأل نفسه أنا مسكون بالتشاؤم؟ هل أتحلى بالطموح الكافي والثقة التي تلزمني لأن أبلغ مبتغاي؟!
بعدها بإمكانه أن يستعين بالأذكار والرقى. لئلا يكون زبونا في طابور المشعوذين والدجالين!..
ولأن الإسلام ضد التواكل ولكنه مع الاتكال على الله عز وجل.
عمد مفتي عام المملكة عبدالعزيز آل الشيخ للهجوم على الرقاة واصفاً إياهم بالمشعوذين. في خطبة الجمعة في جامع الإمام تركي بن عبد العزيز في الرياض يوم الجمعة المنصرم. وتلك خطوة كبيرة نحو التفريق مابين الشرعي والمبالغة.
لكن المسؤولية ليست بكاملها على كاهل المفتي أو قانون الدولة. المسؤولية تقع على الفرد نفسه. ففي سلم العائلة المسؤولية الأولى تقع على كاهل الأم.
لأنها ستورد تلك الفكرة للأبناء.
لكن السؤال: مسؤولية تحرر الأمهات بالخصوص الأميّات منهن.. مسؤولية من؟
kowther.ma.arbash@gmail.com